[ صحة الفهم نعمة ]
وقوله : " فافهم إذا أدلى إليك "
nindex.php?page=treesubj&link=24686صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده ، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما ، بل هما ساقا الإسلام ، وقيامه عليهما ، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم ، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم ، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة ، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد ، يميز به بين الصحيح والفاسد ، والحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشاد ، ويمده حسن القصد ، وتحري الحق ، وتقوى الرب في السر والعلانية ، ويقطع مادته اتباع الهوى ، وإيثار الدنيا ، وطلب محمدة الخلق ، وترك التقوى .
[ التمكن بنوعين من الفهم ]
ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم :
أحدهما :
nindex.php?page=treesubj&link=24686_22256فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما .
والنوع الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=24686فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان قوله في هذا الواقع ، ثم يطبق أحدهما على الآخر ; فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا ; فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله ، كما توصل شاهد
يوسف بشق القميص من دبر إلى معرفة براءته وصدقه ، وكما توصل
سليمان صلى الله عليه وسلم بقوله : " ائتوني بالسكين حتى أشق الولد بينكما " إلى معرفة عين الأم ، وكما توصل أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عليه السلام بقوله للمرأة التي حملت كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب ما أنكرته لتخرجن الكتاب أو لأجردنك إلى استخراج الكتاب منها .
وكما توصل
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام بتعذيب أحد
ابني أبي الحقيق بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دلهم على كنز جبى لما ظهر له كذبه في دعوى ذهابه بالإنفاق بقوله : المال كثير والعهد أقرب من ذلك ، وكما توصل
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير بضرب المتهمين بالسرقة إلى ظهور المال المسروق عندهم ، فإن ظهر وإلا ضرب من اتهمهم كما ضربهم ، وأخبر أن هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا ، ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم ، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله
[ ص: 70 ]
وقوله : " فما أدلى إليك " أي ما توصل به إليك من الكلام الذي تحكم به بين الخصوم ، ومنه قولهم : أدلى فلان بحجته ، وأدلى بنسبه ، ومنه قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } أي تضيفوا ذلك إلى الحكام وتتوصلوا بحكمهم إلى أكلها .
فإن قيل : لو أراد هذا المعنى لقيل : " وتدلوا بالحكام إليها " وأما الإدلاء بها إلى الحكام فهو التوصل بالبرطيل بها إليهم فترشوا الحاكم لتتوصلوا برشوته إلى الأكل بالباطل .
قيل : الآية تتناول النوعين ، فكل منهما إدلاء إلى الحكام بسببها ، فالنهي عنهما معا
[ صِحَّةُ الْفَهْمِ نِعْمَةٌ ]
وَقَوْلُهُ : " فَافْهَمْ إذَا أَدْلَى إلَيْك "
nindex.php?page=treesubj&link=24686صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عَبْدِهِ ، بَلْ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ عَطَاءً بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ وَلَا أَجَلُّ مِنْهُمَا ، بَلْ هُمَا سَاقَا الْإِسْلَامِ ، وَقِيَامُهُ عَلَيْهِمَا ، وَبِهِمَا يَأْمَنُ الْعَبْدُ طَرِيقَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ فَسَدَ قَصْدُهُمْ وَطَرِيقُ الضَّالِّينَ الَّذِينَ فَسَدَتْ فُهُومُهُمْ ، وَيَصِيرُ مِنْ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ حَسُنَتْ أَفْهَامُهُمْ وَقُصُودُهُمْ ، وَهُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُمْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ، وَصِحَّةُ الْفَهْمِ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ ، يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ ، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ ، وَيَمُدُّهُ حُسْنَ الْقَصْدِ ، وَتَحَرِّي الْحَقَّ ، وَتَقْوَى الرَّبِّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ، وَيَقْطَعُ مَادَّتُهُ اتِّبَاعَ الْهَوَى ، وَإِيثَارَ الدُّنْيَا ، وَطَلَبَ مَحْمَدَةِ الْخَلْقِ ، وَتَرْكَ التَّقْوَى .
[ التَّمَكُّنُ بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْفَهْمِ ]
وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي وَلَا الْحَاكِمُ مِنْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلَّا بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْفَهْمِ :
أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=24686_22256فَهْمُ الْوَاقِعِ وَالْفِقْهِ فِيهِ وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ مَا وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=24686فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ ، وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ; فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَعْدَمْ أَجْرَيْنِ أَوْ أَجْرًا ; فَالْعَالِمُ مَنْ يَتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، كَمَا تَوَصَّلَ شَاهِدُ
يُوسُفَ بِشَقِّ الْقَمِيصِ مِنْ دُبُرٍ إلَى مَعْرِفَةِ بَرَاءَتِهِ وَصِدْقِهِ ، وَكَمَا تَوَصَّلَ
سُلَيْمَانُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : " ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ حَتَّى أَشُقَّ الْوَلَدَ بَيْنَكُمَا " إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِ الْأُمِّ ، وَكَمَا تَوَصَّلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي حَمَلَتْ كِتَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبٍ مَا أَنْكَرَتْهُ لَتُخْرِجْنَ الْكِتَابَ أَوْ لَأُجَرِّدَنَّك إلَى اسْتِخْرَاجِ الْكِتَابِ مِنْهَا .
وَكَمَا تَوَصَّلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بِتَعْذِيبِ أَحَدِ
ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَلَّهُمْ عَلَى كَنْزِ جَبَى لَمَّا ظَهَرَ لَهُ كَذِبُهُ فِي دَعْوَى ذَهَابِهِ بِالْإِنْفَاقِ بِقَوْلِهِ : الْمَالُ كَثِيرٌ وَالْعَهْدُ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَمَا تَوَصَّلَ
nindex.php?page=showalam&ids=114النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ بِضَرْبِ الْمُتَّهَمِينَ بِالسَّرِقَةِ إلَى ظُهُورِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ عِنْدَهُمْ ، فَإِنْ ظَهَرَ وَإِلَّا ضَرَبَ مِنْ اتَّهَمَهُمْ كَمَا ضَرَبَهُمْ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمَنْ تَأَمَّلَ الشَّرِيعَةَ وَقَضَايَا الصَّحَابَةِ وَجَدَهَا طَافِحَةً بِهَذَا ، وَمَنْ سَلَكَ غَيْرَ هَذَا أَضَاعَ عَلَى النَّاسِ حُقُوقَهُمْ ، وَنَسَبَهُ إلَى الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ
[ ص: 70 ]
وَقَوْلُهُ : " فَمَا أَدْلَى إلَيْك " أَيْ مَا تَوَصَّلَ بِهِ إلَيْك مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي تَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ الْخُصُومِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : أَدْلَى فُلَانٌ بِحُجَّتِهِ ، وَأَدْلَى بِنَسَبِهِ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ } أَيْ تُضِيفُوا ذَلِكَ إلَى الْحُكَّامِ وَتَتَوَصَّلُوا بِحُكْمِهِمْ إلَى أَكْلِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى لَقِيلَ : " وَتُدْلُوا بِالْحُكَّامِ إلَيْهَا " وَأَمَّا الْإِدْلَاءُ بِهَا إلَى الْحُكَّامِ فَهُوَ التَّوَصُّلُ بِالْبِرْطِيلِ بِهَا إلَيْهِمْ فَتَرْشُوا الْحَاكِمَ لِتَتَوَصَّلُوا بِرِشْوَتِهِ إلَى الْأَكْلِ بِالْبَاطِلِ .
قِيلَ : الْآيَةُ تَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا إدْلَاءٌ إلَى الْحُكَّامِ بِسَبَبِهَا ، فَالنَّهْيُ عَنْهُمَا مَعًا