[ الخلاف في بيع اللحم بالحيوان ]
فإن قيل : فهذا ينتقض عليكم ببيع اللحم بالحيوان ، فإنكم إن منعتموه نقضتم قولكم ، وإن جوزتموه خالفتم النص ، وإذا كان النص قد منع من بيع اللحم بالحيوان فهو دليل على المنع من وكل ربوي بأصله . بيع الخبز بالبر والزيت بالزيتون
قيل : الكلام في هذا الحديث في مقامين : أحدهما في صحته ، والثاني في معناه ; أما الأول فهو حديث لا يصح موصولا ، وإنما هو صحيح مرسلا ; فمن لم يحتج بالمرسل لم يرد عليه ، ومن رأى قبول المرسل مطلقا أو مراسيل فهو حجة عنده ، قال سعيد بن المسيب : لا أعلم حديث النهي عن أبو عمر متصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت ، وأحسن أسانيده مرسل بيع اللحم بالحيوان كما ذكره سعيد بن المسيب في موطئه ، وقد اختلف الفقهاء في القول بهذا الحديث والعمل به والمراد منه ; فكان مالك يقول : معنى الحديث تحريم التفاضل في الجنس الواحد حيوانه بلحمه ، وهو عنده من باب المزابنة والغرر والقمار ; لأنه لا يدري هل في الحيوان مثل اللحم الذي أعطى أو أقل أو أكثر ، مالك لا يجوز متفاضلا ، فكان بيع الحيوان باللحم كبيع اللحم المغيب في جلده بلحم إذا كانا من جنس واحد ، قال : وإذا اختلف الجنسان فلا خلاف عن وبيع اللحم باللحم وأصحابه أنه جائز حينئذ بيع اللحم بالحيوان . وأما أهل مالك الكوفة وأصحابه فلا يأخذون بهذا الحديث ، ويجوزون بيع اللحم بالحيوان مطلقا . وأما كأبي حنيفة فيمنع بيعه بحيوان من جنسه ، ولا يمنع بيعه بغير جنسه ، وإن منعه بعض أصحابه ، وأما أحمد فيمنع بيعه بجنسه وبغير جنسه ، وروى الشافعي عن الشافعي أن جزورا نحرت على عهد ابن عباس ، [ ص: 112 ] فقسمت على عشرة أجزاء ، فقال رجل : أعطوني جزءا منها بشاة ، فقال أبي بكر الصديق : لا يصلح هذا . قال أبو بكر : ولست أعلم الشافعي في ذلك مخالفا من الصحابة . لأبي بكر
والصواب في هذا الحديث - إن ثبت - أن المراد به إذا كان الحيوان مقصودا للحم كشاة يقصد لحمها فتباع بلحم ; فيكون قد باع لحما بلحم أكثر منه من جنس واحد ، واللحم قوت موزون فيدخله ربا الفضل . وأما إذا كان الحيوان غير مقصود به اللحم كما إذا كان غير مأكول أو مأكولا لا يقصد لحمه كالفرس تباع بلحم إبل فهذا لا يحرم بيعه به ، بقي إذا كان الحيوان مأكولا لا يقصد لحمه وهو من غير جنس اللحم فهذا يشبه المزابنة بين الجنسين كبيع صبرة تمر بصبرة زبيب ، وأكثر الفقهاء لا يمنعون من ذلك ، إذ غايته التفاضل بين الجنسين ، والتفاضل المتحقق جائز بينهما فكيف بالمظنون ؟ في إحدى الروايتين عنه يمنع ذلك ، لا لأجل التفاضل ، ولكن لأجل المزابنة وشبه القمار ، وعلى هذا فيمتنع بيع اللحم بحيوان من غير جنسه ، والله أعلم . . وأحمد