فصل [ ] الحكمة في إيجاب الحد بشرب قطرة من الخمر
وأما قوله : " أوجب الحد في القطرة الواحدة من الخمر دون الأرطال الكثيرة من البول " فهذا أيضا من كمال الشريعة ، ومطابقتها للعقول والفطر ، وقيامها بالمصالح ; فإن ما جعل الله سبحانه في طباع الخلق النفرة عنه ومجانبته اكتفى بذلك عن الوازع عنه بالحد ; لأن الوازع الطبيعي كاف في المنع منه .
وأما ما يشتد تقاضي الطباع له فإنه غلظ العقوبة عليه بحسب شدة تقاضي الطبع له ، وسد الذريعة إليه من قرب وبعد ، وجعل ما حوله حمى ، ومنع من قربانه ، ولهذا عاقب في الزنا بأشنع القتلات ، وفي السرقة بإبانة اليد ، وفي الخمر بتوسيع الجلد ضربا بالسوط ، ومنع قليل الخمر وإن كان لا يسكر إذ قليله داع إلى كثيره ; ولهذا كان من أباح من نبيذ التمر المسكر القدر الذي لا يسكر خارجا عن محض القياس والحكمة وموجب النصوص ، وأيضا فالمفسدة التي في شرب الخمر والضرر المختص والمتعدي أضعاف الضرر والمفسدة التي في شرب البول وأكل القاذورات ، فإن ضررها مختص بمتناولها .