فصل [ ( 6 ) ] . الفرق بين السارق والمنتهب
وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم ، وترك قطع المختلس والمنتهب والغاصب فمن تمام حكمة الشارع أيضا ; فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه ، فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز ويكسر القفل ، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك ، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا ، وعظم الضرر ، واشتدت المحنة بالسراق ، بخلاف المنتهب والمختلس ; فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس ، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه ، ويخلصوا حق المظلوم ، أو يشهدوا له عند الحاكم ، وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره ، فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه ، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس ، فليس كالسارق ، بل هو بالخائن أشبه ; وأيضا فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حرز مثله غالبا ، فإنه الذي يغافلك ويختلس متاعك في حال تخليك عنه وغفلتك عن حفظه ، وهذا يمكن الاحتراز منه غالبا ، فهو كالمنتهب ; وأما الغاصب فالأمر فيه ظاهر ، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب ، ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال والسجن الطويل والعقوبة بأخذ المال كما سيأتي .
فإن قيل : فقد وردت السنة بقطع ، وغايته أنه خائن ، والمعير سلطه على قبض ماله . جاحد العارية
والاحتراز منه ممكن بأن لا يدفع إليه المال ; فبطل ما ذكرتم من الفرق . [ ص: 48 ] قيل : لعمر الله لقد صح الحديث بأن { } ، فاختلف الفقهاء في سبب القطع : هل كان لسرقتها ؟ وعرفها الراوي بصفتها ; لأن المذكور هو سبب القطع كما يقوله امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده ، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها الشافعي وأبو حنيفة أو كان السبب المذكور هو سبب القطع مما يقوله ومالك ومن وافقه ؟ ونحن في هذا المقام لا ننتصر لمذهب معين ألبتة ، فإن كان الصحيح قول الجمهور اندفع السؤال ، وإن كان الصحيح هو القول الآخر فموافقته للقياس والحكمة والمصلحة ظاهر جدا ; فإن العارية من مصالح بني أحمد آدم التي لا بد لهم منها ، ولا غنى لهم عنها ، وهي واجبة عند حاجة المستعير وضرورته إليها إما بأجرة أو مجانا ، ولا يمكن المعير كل وقت أن يشهد على العارية ، ولا يمكن الاحتراز بمنع العارية شرعا وعادة وعرفا ، ولا فرق في المعنى بين من توصل إلى أخذ متاع غيره بالسرقة وبين من توصل إليه بالعارية وجحدها ، وهذا بخلاف ; فإن صاحب المتاع فرط حيث ائتمنه . جاحد الوديعة