فصل [ ] الفطر بالحجامة على وفق القياس
أما الفطر بالحجامة فإنما اعتقد من قال : " إنه على خلاف القياس " - ذلك بناء على أن القياس الفطر بما دخل لا بما خرج ، وليس كما ظنوه ، بل الفطر بها محض القياس ، وهذا إنما يتبين بذكر قاعدة ، وهي : أن الشارع الحكيم شرع الصوم على أكمل الوجوه وأقومها بالعدل ، وأمر فيه بغاية الاعتدال ، حتى نهى عن الوصال ، وأمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور ، وجعل أعدل الصيام وأفضله صيام داود ، فكان من تمام الاعتدال في الصوم أن لا يدخل الإنسان ما به قوامه كالطعام والشراب ولا يخرج ما به قوامه كالقيء والاستمناء ، [ ص: 300 ] وفرق بين ما يمكن الاحتراز منه من ذلك وبين ما لا يمكن ، فلم يفطر بالاحتلام ولا بالقيء الذارع كما لا يفطر بغبار الطحين وما يسبق من الماء إلى الجوف عند الوضوء والغسل ، وجعل الحيض منافيا للصوم دون الجنابة ، لطول زمانه وكثرة خروج الدم وعدم التمكن من التطهير قبل وقته بخلاف الجنابة ، وفرق بين دم الحجامة ودم الجرح فجعل الحجامة من جنس القيء والاستمناء والحيض ، وخروج الدم من الجرح والرعاف من جنس الاستحاضة والاحتلام وذرع القيء ، فتناسبت الشريعة وتشابهت تأصيلا وتفصيلا ، وظهر أنها على وفق القياس الصحيح والميزان العادل ، ولله الحمد .