( قوله ولا يفرق بعجزه عن النفقة وتؤمر بالاستدانة عليه ) ; لأنه لو فرق بينهما لبطل حقه ، ولو لم يفرق لتأخر حقها والأول أقوى في الضرر ; لأن النفقة تصير دينا بفرض القاضي فيستوفي في الثاني وفوت المال وهو تابع في النكاح فلا يلحق بما هو المقصود وهو التوالد فلا يقاس العجز عن الإنفاق على العجز عن الجماع في المجبوب والعنين وأطلق في النفقة فشمل الأنواع الثلاثة فلا يفرق بعجزه عن كلها أو بعضها وقيد بالنفقة ليعلم حكم المهر بالأولى وفي غاية البيان معزيا إلى الفصول إذا فإن كان القاضي شافعي المذهب وفرق بينهما نفذ قضاؤه بالتفريق وإن كان حنفيا لا ينبغي له أن يقضي بالتفريق بخلاف مذهبه إلا إذا كان مجتهدا ووقع اجتهاده على ذلك فإن قضى مخالفا لرأيه من غير اجتهاد فعن ثبت العجز بشهادة الشهود روايتان ، ولو لم يقض ولكن أمر شافعي المذهب ليقضي بينهما في هذه الحادثة فقضى بالتفريق نفذ إذا لم يرتش الآمر والمأمور فإن كان أبي حنيفة فإن كان القاضي حنفيا فقد ذكرنا وإن كان شافعيا ففرق بينهما قال مشايخ الزوج غائبا فرفعت المرأة الأمر إلى القاضي وأقامت المرأة البينة أن زوجها الغائب عاجز عن النفقة وطلبت من القاضي أن يفرق بينهما سمرقند جاز تفريعه ; لأنه قضى في فصلين مختلف فيهما التفريق بسبب العجز عن النفقة والقضاء على الغائب وكل واحد منهما مجتهد فيه ، وقال ظهير الدين المرغيناني لا يصح التفريق ; لأن القضاء على الغائب إنما يصح عند وينفذ في إحدى الروايتين عن الشافعي إذا ثبت المشهود به وهنا لم يثبت المشهود به عند القاضي وهو العجز ; لأن المال غاد ورائح ومن الجائز أن الغائب صار غنيا ولم يعلم به الشاهد لما بينهما من المسافة فكان الشاهد مجازفا في هذه الشهادة ، وقال صاحب الذخيرة الصحيح أنه لا يصح قضاؤه ; لأن العجز [ ص: 201 ] لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون قادرا فيكون هذا ترك الإنفاق لا للعجز عن الإنفاق فإن رفع هذا القضاء إلى قاض آخر وأجاز قضاءه فالصحيح أنه لا ينفذ ; لأن هذا القضاء ليس بمجتهد فيه لما ذكرنا أن العجز لم يثبت ا هـ . أبي حنيفة
وتعقبه في فتح القدير بقوله واعلم أن الفسخ إذا يمكن بغير طريق إثبات عجزه بمعنى فقره وهو أن تتعذر النفقة عليها قال غاب ولم يترك لها نفقة من الشافعية إذا تعذرت النفقة عليها بغيبته ثبت لها الفسخ قال في الحلية وله وجه وجيه فلا يلزم مجيء ما قال القاضي أبو الطيب ظهير الدين ا هـ .
وهذا لا يرد ما قاله ظهير الدين لوجهين ، الأول أنه ليس مذهب والثاني أن كلامه في التفريق بسبب العجز لا في غيره وفي الذخيرة فرق بين النفقة وبين سائر الديون في الأمر بالاستدانة فإن في سائر الديون عليه الدين إذا عجز عن قضاء الدين لا يؤمر صاحب الدين بالاستدانة عليه وهنا بعدما فرض القاضي لها تؤمر بالاستدانة على الزوج والفرق بينهما أن المرأة لو لم تؤمر بالاستدانة عسى تموت جوعا أو يموت الزوج فتسقط نفقتها فكان الأمر بها لتأكيد حقها ، وهذا المعنى معدوم في سائر الديون قال مشايخنا ليس فائدة الأمر بالاستدانة بعد فرض القاضي النفقة إثبات حق للمرأة عليه ; لأن حق رجوعها ثابت بالفرض سواء أكلت من مال نفسها أو استدانت بأمر القاضي أو بغير أمره ، ولكن فائدته أن يرجع الغريم على الزوج وبدون الأمر ليس له الرجوع عليه وإنما يرجع رب الدين على المرأة وهي ترجع بالمفروض على الزوج وفي تجريد الشافعي أن فائدته أن تحيل المرأة الغريم على الزوج وإن لم يرض الزوج وبدونه ليس لها ذلك وذكر القدوري الحاكم في المختصر أن فائدته الرجوع على الزوج بعد موت أحدهما وبدونه لا رجوع ا هـ .
أما في الذخيرة فقد ذكروا للأمر بالاستدانة ثلاثة فوائد لكن من جعل فائدتها إمكان الإحالة عليه بدون رضاه ظاهره أنه ليس لرب الدين الأخذ من الزوج بدون الحوالة وعلى الأول له ذلك كما لا يخفى ولم أر من ذكر الوجه في أمرها بالاستدانة دون أمره بذلك مع أنه المديون فكان ينبغي أن يأمره القاضي بالاستدانة ، وقد ظهر لي وجهه بأنه لو أمر ربما تراخى في ذلك فيحصل لها الضرر فأمرت هي بالاستدانة لدفع الضرر ; ولأن الغريم يطمئن لاستدانتها أكثر من استدانته باعتبار أنه يصير له المطالبة على شخصين الزوج والمرأة بخلاف استدانة الزوج فإنه لا يطالب إلا الزوج فلو أمره القاضي بالاستدانة لنفقتها قبل أن يأمره لم يكن بعيدا ولم أره منقولا واختلف في معنى الاستدانة فذكر الخصاف وتبعه الشارحون أنها الشراء بالنسيئة لتقضي الثمن من مال الزوج وفي المجتبى معزيا إلى ركن الأئمة الصباغي أنها الاستقراض فإذا استدانت هل تصرح بأني أستدين على زوجي أو تنوي أما إذا صرحت فظاهر ، وكذا إذا نوت ، وإذا لم تصرح ولم تنو لا يكون استدانة عليه ، ولو ادعت أنها نوت الاستدانة عليه وأنكر الزوج فالقول له ا هـ .
وأطلق في الاستدانة فشمل قريب المرأة والأجنبي ، ولكن ذكر في شرح المختار أن فنفقتها على زوجها ويؤمر الابن أو الأخ بالإنفاق عليها ويرجع به على الزوج إذا أيسر [ ص: 202 ] ويحبس الابن أو الأخ إذا امتنع ; لأن هذا من المعروف قال المرأة المعسرة إذا كان زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسر أو أخ موسر الزيلعي فتبين بهذا أن الإدانة لنفقتها إذا كان الزوج معسرا وهي معسرة تجب على من كانت تجب عليه نفقتها لولا الزوج وعلى هذا لو كان للمعسر أولاد صغار ولم يقدر على إنفاقهم تجب نفقتهم على من تجب عليه لولا الأب كالأم والأخ والعم ، ثم ترجع به على الأب إذا أيسر بخلاف نفقة أولاد الكبار حيث لا يرجع عليه بعد اليسار ; لأنها لا تجب مع الإعسار فكان كالميت ا هـ .
وأقره عليه في فتح القدير وينبغي أن يكون محله إذا لم تجد أجنبيا يبيعها بالنسيئة أو يقرضها فحينئذ يتعين على ولدها ونحوها ، وأما إذا وجدت فلا وفي فتح القدير ، ولو امتنع من الإنفاق عليها مع اليسر لم يفرق ويبيع الحاكم ماله عليه ويصرفه في نفقتها فإن لم يجد ماله يحبسه حتى ينفق عليها ولا يفسخ ا هـ .
وفي المجتبى والذخيرة قال الزوج في مجلس ليس عندي نفقة فقال خذي عمامته وأنفقيها على نفسك فيحتمل أنه علم أبي يوسف أن له عمامة أخرى وإلا لا تباع العمامة في النفقة وسائر الديون قال أبو يوسف الخصاف ولا يبيع مسكنه وخادمه ويبيع ما سوى ذلك ، وقيل يبيع ما سوى الإزار ، وقيل يترك لنفسه دستا من الثياب ويبيع ما سوى ذلك ، وقيل دستين وبه قال السرخسي ، ولو كان له ثياب يمكنه الاكتفاء بما دونها يبيعها ويشتري ذلك ببعضها ويصرف الباقي إلى الديون والنفقة ا هـ .
وسيأتي تمامه في الحبس وفي باب الحجر إن شاء الله تعالى .