الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولخادم لو موسرا ) أي تجب النفقة والكسوة لخادم المرأة ; لأن كفايتها واجبة عليه ، وهذا من تمامه إذ لا بد منه فيلزمه للخادم أدنى الكفاية لا تبلغ نفقة المرأة ، وكذا كسوته بأرخص ما يكون ويفرض للخادم خف ; لأنها تحتاج إلى الخروج بخلاف المرأة ، كذا في الخانية وفسر في الهداية نفقة الخادم بما يلزم المعسر من نفقة امرأته وشرط في البدائع وشرح الطحاوي في وجوب نفقة خادمها أن لا يكون له شغل غير خدمتها بأن يكون متفرغا لها وأطلق المصنف في الخادم ولم يضفه إليها للاختلاف في تفسيره فقيل هو كل من يخدمها حرا كان أو عبدا ملكا لها أو له أو لهما أو لغيرهما و ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة كما في الذخيرة أنه مملوكها فلو لم يكن لها خادم لا يفرض عليه نفقة خادم ; لأنها بسبب ملكها له فإذا لم يكن في ملكها لا يلزمه نفقته كالقاضي إذا لم يكن له خادم لا يستحق نفقة الخادم في بيت المال وظاهر كلامهم أن خادمها هو المملوك لها سواء كان عبدا أو جارية ولهذا ذكر في غاية البيان أن الخادم واحد الخدام غلاما كان أو جارية وبه تبين أن تفسير الزيلعي خادمها بالجارية المملوكة لها في ظاهر الرواية فيه نظر وينبغي أن يدخل [ ص: 199 ] المدبر والمدبرة تحته وبهذا علم أنه إذا لم يكن لها خادم مملوك لا يلزم الزوج كراء غلام يخدمها لكن يلزمه أن يشتري لها ما تحتاج إليه من السوق كما صرح به في الفتاوى السراجية وقيد بالخادم ; لأنه لا يلزمه نفقة أكثر من خادم واحد لها وهذا عندهما ، وقال أبو يوسف يفرض لخادمين ; لأنها تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل وإلى الآخر لمصالح الخارج ولهما أن الواحد يقوم بالأمرين فلا ضرورة إلى اثنين قال الطحاوي وروى صاحب الإملاء عن أبي يوسف أن المرأة إذا كانت ممن يجل مقدارها عن خدمة خادم واحد أنفق على من لا بد لها منه من الخدام ممن هو أكثر من الخادم الواحد أو الاثنين أو أكثر من ذلك قال وبه نأخذ في غاية البيان وفي الظهيرية والولوالجية المرأة إذا كانت من بنات الأشراف ولها خدم يجبر الزوج على أجرة خادمين ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أن المذهب الاقتصار على واحد مطلقا والمأخوذ به عند المشايخ قول أبي يوسف وفي فتح القدير والذخيرة لو كان له أولاد لا يكفيهم خادم واحد فرض عليه لخادمين أو أكثر مقدار ما يكفيهم اتفاقا وفي التجنيس امرأة لها مماليك قالت لزوجها أنفق عليه من مهري فأنفق فقالت لا أجعلها من المهر ; لأنك استخدمتهم فما أنفق بالمعروف فهو محسوب عليها ; لأنه بأمرها ا هـ .

                                                                                        وأطلق في وجوب نفقة الخادم فشمل ما إذا أراد الزوج أن يخدمها أو يخدمها خادمه ولا ينفق على خادمها قال في الخانية وإن قال الزوج أنا أخدمك أو تخدمك جارية من جواري ، الصحيح أن الزوج لا يملك إخراج خادم المرأة من بيته وعلله الولوالجي بأن المرأة عسى لا تتهيأ لها الخدمة بخدم الزوج وظاهره أنه يملك إخراج ما عدا خادم واحد من بيته ; لأنه زائد على قولهما وأطلق في المرأة فشمل الأمة والحرة الشريفة والوضيعة لكن في الخلاصة معزيا إلى الفتاوى الصغرى المنكوحة إذا كانت أمة لا تستحق نفقة الخادم ونفقة الخادم لبنات الأشراف ا هـ .

                                                                                        ولا يتصور أن يكون للأمة خادم على ظاهر الرواية ; لأنه المملوك للمرأة ولا مالك للأمة وإنما هو على قول من فسر الخادم بكل خادم مملوكا لها أو لا ، وقد أخذ بعضهم بما في الخلاصة أنها إذا كانت من الأرذال لا تستحق نفقة الخادم وإن كانت حرة ; لأنه قيدها ببنات الأشراف قال في فتح القدير ويوافقه ما قيد به الفقيه أبو الليث كلام الخصاف حيث قال في أدب القاضي : لو فرض ما يحتاج إليه من الدقيق والدهن واللحم والإدام فقالت لا أعجن ولا أخبز ولا أعالج شيئا من ذلك لا تجبر عليه وعلى الزوج أن يأتيها بمن يكفيها عمل ذلك قال الفقيه أبو الليث هذا إذا كان بها علة لا تقدر على الطبخ والخبز أو كانت ممن لا تباشر ذلك فإن كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك عليه أن يأتيها بمن يفعله وفي بعض المواضع تجبر على ذلك قال السرخسي لا تجبر ، ولكن إذا لم تطبخ لا يعطيها الإدام وهو الصحيح وقالوا إن هذه الأعمال واجبة عليها ديانة وإن كان لا يجبرها القاضي ا هـ .

                                                                                        ولذا قال في البدائع لو استأجرها للطبخ والخبز لم يجز ولا يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك ; لأنها لو أخذت لأخذت على عمل واجب عليها في الفتوى فكان في معنى الرشوة فلا يحل لها الأخذ ا هـ .

                                                                                        وهو شامل لبنات الأشراف أيضا ; ولذا استدل في البدائع لوجوبه ديانة بأنه عليه السلام { قسم الأعمال بين علي وفاطمة فجعل أعمال الخارج على علي وأعمال الداخل على فاطمة } ا هـ .

                                                                                        مع أنها سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأبوها صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين وقيد بيسار الزوج ; لأنه لا يجب عليه نفقة الخادم عند إعساره وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة وهو الأصح خلافا لما قاله محمد ; لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية وهي قد تكتفي بخدمة نفسها ، كذا في الهداية وتعقبه في فتح القدير بأنه مخالف لما ذكره أولا من لزوم اعتبار حالهما وأنه عند إعساره دونها ينفق بقدر حاله والباقي دين عليه وقياسه أن تجب النفقة [ ص: 200 ] للخادم دينا عليه ا هـ .

                                                                                        وقد يقال إنما قيل في نفقتها ذلك للجمع بين الدليلين الآية وحديث هند وليس ذلك في الخادم فبقي على الأصل من اعتبار حاله وفي الذخيرة ولا تقدر نفقة الخادم بالدراهم على ما ذكرنا في نفقة المرأة ، بل يفرض لها ما يكفيها بالمعروف ، ولكن لا تبلغ نفقة خادمها نفقتها ; لأن الخادم تبع للمرأة فتنقص نفقة الخادم عن نفقتها ولم يرد بالنقصان النقصان في الخبز ; لأن النفقة بقدر الكفاية وعسى أن تستوفي الخادم من الخبز في الأكل أكثر مما تستوفي المرأة وإنما أراد به النقصان في الإدام ا هـ .

                                                                                        وفيه أيضا والكسوة للخادم على المعسر قميص كرباس في الشتاء وإزار ورداء كأرخص ما يكون وفي الصيف قميص مثل ذلك وإزار وعلى الموسر في الشتاء قميص وطيء وإزار كرباس وكساء رخيص وفي الصيف قميص مثل ذلك وإزار ، ثم لم يفرض للخادمة الخمار وفرضها للمرأة ; لأن الخمار لستر الرأس ، ورأس المرأة عورة ورأس الخادم ليس بعورة وفرض لها الإزار ; لأن الخادم تحتاج إلى الخروج قال مشايخنا ما ذكره محمد في الكتاب من ثياب الخادم فهو بناء على عاداتهم وذلك يختلف باختلاف الأمكنة في شدة الحر والبرد باختلاف العادات في كل وقت فعلى القاضي اعتبار الكفاية في نفقة الخادم فيما يفرض في كل وقت ومكان ا هـ .

                                                                                        وما ذكره من كسوة الخادم على المعسر إنما هو على قول محمد كما لا يخفى وفي غاية البيان ، واليسار مقدر بنصاب حرمان الصدقة لا بنصاب وجوب الزكاة ا هـ .

                                                                                        وإن اختلفا في اليسار والإعسار فالقول قوله إلا أن تقيم المرأة البينة ويشترط العدد والعدالة في هذا الخبر ولا يشترط لفظة الشهادة وإن أقاما البينة فبينتها أولى ، كذا في الخانية ، ثم اعلم أن نفقة الخادم إنما تجب على الزوج بإزاء الخدمة فإن امتنعت من الطبخ والخبز وأعمال البيت لم تستحق النفقة ; لأنه لم يوجد ما تستحق النفقة بمقابلتها بخلاف نفقة المرأة فإنها في مقابلة الاحتباس فإذا لم تعمل تستحق النفقة ، وهذا هو ظاهر الرواية ، كذا في الذخيرة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : إذ لا بد لها منه إلخ ) قال الرملي يعلم منه أنها إذا مرضت وجب عليه إخدامها ولم أره صريحا وإن علم من كلامهم ، ثم نقله عن كتب الشافعية وإن كانت أمة ، وقال وهو مقتضى قواعد مذهبنا ا هـ .

                                                                                        قلت هذا ظاهر على خلاف ظاهر الرواية الآتي أما على ظاهر الرواية من اشتراط كون الخادم مملوكا لها فلا فإنه إذا لم يكن مملوكا لها لا نفقة له على الزوج وإن كانت محتاجة إليه كما يعلم من قول المؤلف وأطلق المصنف في الخادم تأمل

                                                                                        . ( قوله : وظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة إلخ ) عبارة الذخيرة هكذا قال وإن لم يكن للمرأة خادم لا يفرض نفقة الخادم على الزوج في ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة ; لأن استحقاقها نفقة الخادم باعتبار ملك الخادم فإذا لم يكن لها خادم كيف تستوجب نفقة الخادم وهو نظير القاضي إلخ أقول : وهذه العبارة ليست نصا في اشتراط كون الخادم ملكا لها .

                                                                                        ( قوله : فيه نظر ) قال الرملي لو قال فيه قصور لكان أولى على أنه يجاب عنه بأنه جرى على [ ص: 199 ] الغالب في اتخاذ النساء الخادم من جنس الجواري لا أنه قيد ، تأمل .

                                                                                        ( قوله : وقال أبو يوسف يفرض لخادمين إلخ ) قال الرملي أقول : م ، وعن أبي يوسف في رواية أخرى يعني غير رواية الخادمين أن المرأة إذا كانت فائقة بنت فائق زفت إلى بيت زوجها مع خدم كثيرة استحقت نفقة الخدم كلها على الزوج فإن قال الزوج لامرأته لا أنفق على أحد من خدمك ، ولكن أعطي خادما من خدمي ليخدمك فأبت المرأة لم يكن للزوج ذلك ويجبر على نفقة خادم واحد من خدام المرأة ا هـ .

                                                                                        من التتارخانية . أقول : فأشار بقوله بنت فائق إلى أن المعتبر حالها في بيت أبيها لا حالها الطارئ عليها في بيت الزوج تأمل ا هـ .

                                                                                        ( قوله : قال الفقيه أبو الليث إلخ ) في البدائع وذكر الفقيه أبو الليث أنها إذا كانت بها علة لا تقدر على الطبخ والخبز أو كانت من بنات الأشراف لا تجبر فأما إذا كانت تقدر على ذلك وهي ممن تخدم نفسها تجبر على ذلك [ ص: 200 ] ( قوله : فبقي على الأصل من اعتبار حاله ) قال في النهر فيه نظر إذ لو اعتبر فيه لوجب عليه نفقة لها إذا كان موسرا وهي فقيرة ، وقد علمنا أنها لا تجب .




                                                                                        الخدمات العلمية