3- الإفراد والجمع :
. بعض ألفاظ القرآن يكون إفراده لمعنى خاص ، وجمعه لإشارة معينة ، أو يؤثر جمعه على إفراده أو العكس
فمن ذلك أننا نرى بعض الألفاظ لم يأت في القرآن إلا مجموعا ، وعند الاحتياج إلى صيغة المفرد ، يستعمل مرادفه كلفظة " اللب " فإنها لم ترد إلا مجموعة كقوله : إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ، ولم يجئ في القرآن مفرده ، بل جاء مكانه " القلب " كقوله : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ، ولفظة " الكوب " لم تأت مفردة وقد أتى الجمع : وأكواب موضوعة .
وعكس هذا النوع ألفاظ لم تأت إلا مفردة في كل موضع من مواضع القرآن . ولما أريد جمعها جمعت في صورة من الروعة ليس لها مثال ، كقوله تعالى : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، ولم يقل سبحانه : " وسبع أرضين " لما في ذلك من الخشونة واختلال النظم .
ومن ذلك لفظة " السماء " ذكرت تارة بصيغة الجمع وتارة بصيغة الإفراد ، لنكت مناسبة ، فحيث أريد العدد ، أتي بصيغة الجمع الدالة على سعة العظمة والكثرة ، كقوله : سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ، وحيث أريد الجهة أتي بصيغة الإفراد كقوله : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض .
[ ص: 193 ] ومن ذلك " الريح " ذكرت مجموعة ومفردة ، فتذكر مجموعة في سياق الرحمة وتفرد في سياق العذاب ، وذكر في حكمة ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والمنافع ، ويقابل بعضها الآخر أحيانا . لينشأ ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات . فكانت في الرحمة رياحا . وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد ، ولا معارض لها ولا دافع ، وقد أخرج وغيره عن ابن أبي حاتم قال : كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة ، وكل شيء من الريح فهو عذاب . ولهذا ورد في الحديث : أبي بن كعب وما عرج عن ذلك فهو لنكتة أخرى . " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا "
ومن ذلك إفراد " النور " وجمع " الظلمات " ، وإفراد " سبيل الحق " وجمع " سبل الباطل " لأن طريق الحق واحدة ، وطرق الباطل متشعبة متعددة . ولهذا وحد " ولي المؤمنين " وجمع " أولياء الكافرين " لتعددهم كما في قوله تعالى : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، وقوله : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله .
ومن ذلك " المشرق والمغرب " بالإفراد والتثنية والجمع . فالإفراد باعتبار الجهة والإشارة إلى ناحيتي الشرق والغرب كقوله : رب المشرق والمغرب ، والتثنية باعتبار مطلعي ومغربي الشتاء والصيف كقوله : رب المشرقين ورب المغربين . والجمع باعتبار مطلع كل يوم ومغربه ، أو مطلع كل فصل ومغربه كقوله : فلا أقسم برب المشارق والمغارب .
"