وقوله (تعالى): فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ؛ قوله: ففسق عن أمر ربه ؛ دليل على أنه أمر بالسجود مع الملائكة؛ وأكثر ما في التفسير أن إبليس من غير الملائكة؛ وقد ذكره الله - عز وجل - أنه كان من الجن بمنزلة آدم من الإنس؛ وقد قيل: إن الجن ضرب من الملائكة؛ كانوا خزان الأرض؛ وقيل: خزان الجنان؛ فإن قال قائل: فكيف استثني مع ذكر الملائكة؛ فقال: فسجدوا إلا إبليس ؛ فكيف وقع الاستثناء وليس هو من الأول؟ فالجواب في هذا أنه أمر معهم بالسجود؛ فاستثني من أنه لم يسجد؛ والدليل على ذلك أنك تقول: "أمرت عبدي وإخوتي؛ فأطاعوني إلا عبدي"؛ وكذلك قوله - عز وجل -: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ؛ ورب العالمين ليس كمثله شيء؛ وقد جرى ذكره في [ ص: 294 ] الاستثناء؛ وهو استثناء ليس من الأول؛ ولا يقدر أحد أن يعرف معنى الكلام غير هذا؛ ففسق عن أمر ربه ؛ فيه ثلاثة أوجه؛ يجوز أن يكون معناه: "خرج عن أمر ربه"؛ يقال: "فسقت الرطبة"؛ إذا خرجت عن قشرها؛ وقال قطرب : يجوز أن يكون معناه: "فسق عن رد أمر ربه"؛ ومذهب ؛ سيبويه ؛ وهو الحق عندنا؛ أن معنى "فسق عن أمر ربه": أتاه الفسق لما أمر؛ فعصى؛ فكان سبب فسقه أمر ربه؛ كما تقول: "أطعمه عن جوع؛ وكساه عن عري"؛ المعنى: "كان سبب فسقه الأمر بالسجود"؛ كما كان سبب الإطعام الجوع؛ وسبب الكسوة العري. والخليل
وقوله: بئس للظالمين بدلا ؛ معناه أنه بئس ما استبدل به الظالمون من رب العزة - جل وعز -؛ إبليس.