تلقي موسى الألواح من ربه
وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين
[ ص: 2944 ] ذهب موسى إلى جبل الطور ليتلقى تعاليم ربه على موعد منه، وكانت المدة ثلاثين ليلة، أي ثلاثين يوما، وذكرت في القرآن الليالي دون الأيام; لأن الأشهر القمرية أمارة ظهورها بالليل؛ إذ يبزغ القمر هلالا، ويتدرج في النمو حتى يصير بدرا، وتعرف الأوقات من الشهر بمقدار الهلال.
وقد قيل: لماذا ذكر الثلاثين ثم أتم الأربعين بعشر ليال أخر؟ فقالوا: إن موسى عندما ذهب إلى التجلي استشعر روحانية، وقالوا: إنه استنشق ريح المسك، فطلب تلك العشر الزيادة، فأتمها الله تعالى أربعين ليلة، والتصريح بالأربعين - مع أن العدد مفهوم من ذكر العشر بعد ثلاثين - وذلك لبيان استجابته سبحانه لما طلب موسى ، وذكر ذلك من شعائر الإنعام.
خلف موسى بني إسرائيل، وفيهم عناصر متضاربة متباينة وهم أهواء مختلفة وفيهم تردد، كما ظهر عندما أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، فطلبوا أن يكون لهم إله كما لهؤلاء آلهة.
مع هذه الحال خلفه فيهم أخوه هارون، فهو ردء موسى ومعينه وهو نبي، ولكن الذي تلقى التوراة أو الألواح هو موسى.
قال موسى لأخيه هارون: اخلفني في قومي أي: كن خليفتي في قومي، ترعاهم وتصلح أمرهم; ولذا قال في تحقيق الخلاقة: وأصلح أقم فيهم الحق والعدل والإصلاح بينهم، فاحفظ وحدتهم وحارب دعاة التفرق; ولذا قال له: ولا تتبع سبيل المفسدين أي: تجنب أن تساير المفسدين، بل اقطع عليهم الطريق، ولا تمكنهم من فسادهم، وكأنه بفطنة النبوة أدرك أنهم سيحدثون أحداثا من بعده - كما سيجيء - باتخاذهم العجل، وإن لم يكن قد توقع ذلك بالذات، ولكن توقع غيره، وسبل الشيطان مثارات مختلفة.
[ ص: 2945 ] ذهب موسى - كليم الله تعالى - إلى الجبل في الميقات الذي وقته الله تعالى، وقيل: إنه ذو القعدة وعشر من ذي الحجة، والله أعلم بالميقات.