قال تعالى: وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم
أنهى الله تعالى قصص فرعون بهلاكه، وابتدأ بقص قصص بني إسرائيل، ونرى في هذا القصص الحكيم ما أحدثوه بعد أن من الله تعالى عليهم بإخراجهم من استعباد فرعون وظلمه لهم، ومعاينتهم الآيات الكبرى بفلق البحر بعصا موسى، وكيف عبدوا العجل، وكيف أرادوا أن يجعل لهم موسى إلها غير الله يعبدونه، وما استرسلوا فيه من كفر ومعاص.
وقال : ذلك ليعلم حال الإنسان، وأنه كما وصفه الله تعالى ظلوم كفار جهول كنود، إلا من عصمه الله تعالى: الزمخشري وقليل من عبادي الشكور
يقول تعالى: وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها جاوز بمعنى اجتاز، والبحر هو البحر الأحمر كما نسميه الآن، وكما كان يسمى بحر القلزم، اجتازوه حتى وصلوا إلى اليابس (فأتوا) أي: أقبلوا على قوم يعكفون، أي: يقيمون على عبادة أصنام لهم، وقالوا: يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، إن المقام الطويل الذي أقاموه في مصر هزع فيهم الوحدانية التي كانت دين آبائهم، وإنهم وإن كانوا لم يعبدوا ما عبد [ ص: 2942 ] المصريون فقد لانت عقيدتهم، وصاروا مترددين لا يؤمنون بشيء، ولذلك قالوا لما قالوا; لأنه لم يثبت في قلوبهم التوحيد الذي جاءهم به موسى ، وصاروا كالأعراب الذين قالوا لرسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - آمنا، فأمر الله تعالى نبيه بأن يقول: قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان
والقوم الذين أتوا عليهم قيل إنهم كانوا بالسويس ، إذ كانت أول يابسة جاءوا إليها، والله أعلم ما هؤلاء الأقوام، ولكن نستبعد أن تكون السويس; لأن ظواهر الأخبار تبين أنها كانت تحت حكم فرعون، وجزءا من مصر .
قال إنكم قوم تجهلون أي: تجهلون العقائد السليمة والعقائد الباطلة، والمتردد جاهل غير مدرك، وإنهم خرجوا من حال كافرة إلى حال مؤمنة موحدة، ولما يدخل الإيمان قلوبهم.