فرعون يعذب السحرة الذين آمنوا
قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين
إن الطاغية لا يفكر إلا في نفسه، ولا يحس بحق غيره إلا من زاوية استقامة الأمر لأهوائه وشهواته، لقد ثارت نقمة فرعون لأمور:
أولها - إنكار موسى ألوهيته.
ثانيها - تحديه بآياته، وكان يرجو ويتوهم أنه يقضى على موسى بحجته، فاستعان بالسحر والسحرة، فما أسعفوه بحجة، فكان الغلب عليه، فأثاره ذلك.
ثالثها - ثم كان من بعد ذلك أن من استعان بهم ليغلبوا موسى وهارون خذلوه.
رابعها - وأيدوهما، وآمنوا بهما، وتشايع بين الناس إيمانهم، فغلت بالشر نفسه، والمعاند لا تزيده الآيات البينات إلا كفرا، رأى فرعون ما رأى، فلم يؤمن; [ ص: 2927 ] لأن نفسه لم تكن نفس مؤمن، بل طغى وبغى، وقد رأى ملكه يزول، وأوهامه تضمحل فطغى وبغى وآثر الملك والحياة الدنيا على الآخرة، واتجه إلى السحرة يعذبهم، ويصب جام غضبه عليهم.
قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم يوبخهم على إيمانهم قبل إذنه، فالاستفهام إنكاري لإنكار الواقع، وإنكار الواقع توبيخ، وموضع التوبيخ أنهم آمنوا قبل أن يأذن لهم!! وكان طاغوته قد سول له أنه ملك قلوبهم وألسنتهم فلا تتحرك إلا بإذنه، وقد رأينا ذلك من فرعون دونه عقلا، وفوقه طغيانا.
ولم يذهب إلى نفسه أنه حق أدركوه، وإيمانا صدقوا به موسى وهارون، بل حكم على أساس من وهمه أنه مؤامرة عليه، وهو الذي اصطفاهم واختارهم من بين رعيته وهم مختارون من الشعب، فموه على الشعب بباطله أنها مؤامرة عليه وعلى الشعب، فقال: إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها أي: لتفرضوا على أهلها سلطانا غير سلطانها، فتفقد استقلالها، ولا تكون لها أرضها، ردف ذلك بالتهديد الشديد، والعذاب العتيد، قال: فسوف تعلمون أي سننزل بكم عذابا تعلمونه بالعيان لا بالبيان، و(سوف) هنا لتأكيد الكلام، أصدر الحكم بخياله وهواه، لا بعقله والبرهان، وهو أغلظ عقاب: