قال نوح ذلك متوددا متحببا، مخاطبا بما يجمعهم من مودة، ولكنهم نفروا من دعوته، ومن هدايته فكذبوه فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين .
الفاء: هنا للإفصاح، أو للترتيب، أي أنه ترتب على هذا الذكر وهذه الدعوة الهادية الباعثة على العبرة أن كذبوه، وكان لا بد بعد هذا التكذيب القاطع للحق، والهادم لكل صالح أن يكون العذاب لمن طغى، والنجاة لمن هدي، أمره الله تعالى بأن يصنع الفلك؛ لينجي فيه من آمن من قوم نوح، وأن يغرق من عاند وكفر، فقال: فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا أي بسبب تكذيبهم; لأن الصلة في الموصول هي سبب الحكم.
[ ص: 2882 ] وقد أكد - سبحانه تعالى - وصفهم بالضلال فقال: إنهم كانوا قوما عمين عمين جمع عم، وهو صفة مشبهة من عمي، فهم ضالون قد أعمى الله تعالى بصائرهم، وإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى الأفئدة التي في الصدور.
هذا ما ذكره الله تعالى في هذا الموضع من قصة نوح - عليه السلام - ونكتفي بالكلام هنا، ونتكلم في باقي قصة نوح مع قومه في مواضعها من القرآن الكريم، فلكل جزء منها عظة قائمة بذاتها.
وسيدنا نوح - عليه السلام - هو أبو الأنبياء بعد آدم ، وقيل: إن إدريس أكبر منه، ولكن الظاهر من سياق القرآن للأنبياء أنه أبو البشرية بعد آدم ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم.
من قصة هود عليه السلام