لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله [ ص: 2878 ] ما لا تعلمون أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين
ابتدأ نوح كلامه مع قومه مستدنيا قلوبهم، مقربا القول إلى نفوسهم، وكان إرساله إليهم ولم يوجد ما يدل على أنه أرسل لغيرهم، كما قامت رسالة رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس.
قال عليه السلام: (يا قوم) نادى بالرابطة التي تربطه بهم، وهي أنهم قومه الذين يستنصرهم، ويعتز بصلتهم، ويريد الخير لهم، ويحب كل كمال لهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره والجملة الأولى دعوة إلى عبادته؛ لأنه خالق الكون ومنشئ الوجود، والجملة الثانية تدل على انفراده وحده بالألوهية، فهي نفي وإثبات; نفي أن يكون لهم إله غير الله، ولذا قال: ما لكم من إله غيره أي: ليس لكم من إله غيره سبحانه، و"من" لاستغراق النفي، والمعنى: ليس لكم أي إله يعبد غيره؛ لأنه الخالق؛ ولأنه ليس كمثله شيء في ذاته أو صفاته، فهو المعبود وحده.
وقد حذرهم من عصيان الله تعالى والكفر به، وعبادة غيره، فقال: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم وفي هذا يظهر عطفه عليهم داعما دعوته بخشية ما ينزل بهم، ومع ذلك هو تهديد لهم بعاقبة إنكارهم.
وقد أكد خوفه عليهم بكل مؤكدات القول، بـ"إن" وبقوله (عليكم) وتنكير العذاب، و(عظيم) وأنه لا يدرك جهته، ولا تدرك المشاعر الآن حقيقته.
هذه هي الدعوة إلى التوحيد والترغيب فيها والترهيب من عصيانها، فبماذا أجاب قومه؟
قال الملأ من قومه، أي: قال الكبراء والرؤساء والأشراف من قومه مستنكرين مستهترين: إنا نراك في ضلال مبين، وكذلك نجد الكبراء، في كل قرية أكابر [ ص: 2879 ] مجرميها، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم.
كانت إجابتهم إصرارا على غيهم، واستمساكا بما هم عليه، وعدوا غيره ضلالا وسفها: إنا لنراك في ضلال مبين أي: إنا نراك في بعد عن الهداية، والحق واضح، وقد أكدوا ذلك بـ"إنا" وبأنهم يرونه كذلك، وإنه يستفاد من هذا أمران:
أولهما - أنهم يردون قوله، ولا يقبلونه ويعصونه، وأنهم يرون أن صاحبه في ضلال واضح لا هداية معه، وأنهم بهذه الحال لا يمكن أن يجيبوه، بل أن يفكروا في إجابته.
وثانيهما - أنه يلاحظ أن ذلك من كبرائهم - كما ذكرنا - أما ضعفاؤهم فإنه لم تعرف لهم إجابة؛ لأنهم مغمورون غير مذكورين، كما كان الأمر من بعد ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذ مكث وقت الدعوة المحمدية في مكة ، ما كان يتردد في جنباتها إلا صوت أبي جهل وأبي لهب ، والوليد بن المغيرة ، ولا يتردد صوت عمار وبلال . وأبي بكر