ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين
نهى الله تعالى بالنسبه لما رزق الله تعالى - المكلفين أن يتبعوا خطوات الشيطان، وما يزينه للذين يفتحون قلوبهم لوسوسته، وآذانهم لسماع دعاته وأتباعه، وقد زين لهم أن يحرموا بعض الثمرات والزروع ويجعلوا جزءا لله، وجزءا لأوثانهم، وتطيش فيعتدون على ما جعلوه لله، ويحمون ما جعلوه لأوثانهم وحرموا بعض الأنعام، حرموا الوصيلة والسائبة والحام والبحيرة، وقد بينا ما يريدون من هذه الألفاظ من مسميات في موضعها في سورة المائدة في ربع: [ ص: 2706 ] جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس عند الكلام في معنى قوله تعالى: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام وفي هذه الآية وما بعدها يبين الله تعالى أنه لا سند من عقل ولا نقل جعل بعض هذه الأنعام محرما، فقال تعالى: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين
ثمانية أزواج عطف على: أنشأ أو مفعول لفعل محذوف، وإذا كان التأويل فهي منصوبة، والأزواج جمع زوج، والزوج يطلق على كل فرد يقابله فرد آخر، ويقال لكل واحد منهما زوج، ويقال لمجموعهما زوج، وعد الله تعالت كلماته ثمانية: اثنان من الضأن ذكر وأنثى، واثنان من الماعز ذكر وأنثى، واثنان من الإبل، فحل، وناقة، واثنان من البقر ثور وبقرة، والضأن ذكره كبش، وأنثاه نعجة، والماعز ذكره تيس أو جدي، وأنثاه معزة.
فهذه هي ثمانية أزواج عدا، وقد سلك القرآن في احتجاجه عليهم مسلك الجمع والإفراد، فبين أن التحريم في الرزق يكون لخبث في ذاته اقتضى تحريمه، وأن التحريم يكون من الله تعالى مانح الأرزاق والوجود، وقد ادعوا تحريمهم لما حرموا بوسوسة الشيطان أنه من الله تعالى، متتبعا تحريمهم، فقال تعالى: آلذكرين حرم أم الأنثيين أي: كل زوج من المحرمات حرم الذكرين منها كالكبش والجدي فتحرم الذكور كلها، ولكنكم لم تحرموها كلها، بل خصصتم بعضها أم الأنثيين منها فحرم النعجة والمعزة، وكان يجب أن تحرم كل الإناث، ولكنكم حرمتم بعضها، وتركتم الآخر، وعلى ذلك لا يكون التحريم بسبب في ذاتها أو ما اشتملت أرحام الأنثيين أي: المواليد ذكورا وإناثا فيحرم الجميع، ولكن خصصتم فلا يكون سببه التحريم لذاتها، ولا بسبب من النقل، فبينوا ما اعتمدتم عليه من العلم إن كنتم صادقين؛ ولذا قال تعالى: [ ص: 2707 ] نبئوني بعلم إن كنتم صادقين
وإنه بعد البيان الصادق الذي ذكر أولا، يكون قوله تعالى: نبئوني بعلم من قبيل التهكم بهم; إذ لا دليل عندهم، وطلبه بعد بطلان وجوده تهكم به أو تعجيز لهم، والعجز عن إقامة الدليل في وقت الاحتجاج تسليم بالمدعى بحكم المنطق المستقيم والتفكير القويم.
وقوله تعالى: إن كنتم صادقين التعليق بـ: (إن) فيه إشارة إلى أنهم لا صدق عندهم وأنهم يفترون على الله تعالى فيما يدعون، وقوله تعالى: نبئوني النبأ الخبر العظيم، وهذا عظيم في زعمهم.