ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا في النص القرآني قراءتان إحداهما بضم الراء، ويكون الكلام بها مستأنفا، ومتمما بيان ما لا ينبغي لرسل الله تعالى. والثانية بفتح الراء؛ بالعطف على أن يؤتيه مع ملاحظة المعطوف الأول عليها، والمعنى: أنه لا ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب مع قوله: كونوا عبادا لي من دون الله، ولا ينبغي له أيضا أن يأمرهم بأن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا بأن يعتقدوا أن الملائكة والنبيين يسيرون الكون بغير إرادة الله، وأنهم يعبدون من دون الله أو مع الله. وقد وقع في عبادة الملائكة - الصابئة الذين كانوا يقيمون في بلاد الكلدان، وتبعهم بعض المشركين من العرب، والذين عبدوا بعض النبيين هم النصارى فقد اتخذوا المسيح إلها يعبد، وبعض اليهود، فقد اتخذت طائفة منهم عزيرا إلها وزعموه ابن الله، تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا.
أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون هذا استفهام إنكاري بمعنى النفي، أي: أن وقد أوتوا علم الكتاب وفضل السفارة، وتنفيذ شريعة الله تعالى؛ ذلك لأنهم يكونون مضللين ولا يكونون هادين، وقوله: الرسل لا يمكن أن يأمروا بالكفر بالله، بعد إذ أنتم مسلمون فيه إشارة إلى أن فهذا شأن من شئونهم، وطبيعة في فطرهم، حتى لقد قال بعض العلماء: إن معرفة الله تكون بالعقل؛ وأوجب [ ص: 1292 ] الناس بمقتضى فطرهم يسلمون ويخلصون وجوههم لله سبحانه وتعالى، معرفة الله بالعقل وما كان الرسل ليصرفوا الناس عن مقتضى الفطرة والعقل؛ فعبادة الله وحده في فطرة الله التي فطر عليها الناس. اللهم جنبنا الهوى، واهدنا إلى الرشاد. أبو حنيفة