[ ص: 5168 ] المعصية لا تسوغ قطع الرحم.. والبراءة من الإفك
قال (تعالى):
nindex.php?page=treesubj&link=16341_19957_20043_28723_29694_30658_32338_32371_32468_34405_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=25يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22ولا يأتل ؛ معناها: لا يحلف؛ من " الألية " ؛ بمعنى " الحلف " ؛ و " ائتلى " ؛ افتعل من " الألية " ؛ ويروى في ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=7927مسطح بن أثاثة كان ابن خالة
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق - رضي الله (تعالى) عنه -؛ وكان فقيرا مسكينا؛ ومهاجرا في سبيل الله؛ وحضر "
بدرا " ؛ ولكن زلق لسانه؛ فخاض في حديث الإفك؛ مع قرابته من
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر؛ الذي كان ينفق عليه لفقره وقرابته؛ وهجرته؛ وحضوره "
بدرا " ؛ فلما فعل فعلته؛ ولاك بلسانه سمعة الصديقة
[ ص: 5169 ] بنت الصديق؛ منع النفقة؛ وقال: لا أنفعه بنافعة قط؛ فنهاه الله (تعالى) عن ذلك؛ وكان نهيا عاما لكل من يكون في مثل حال
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق؛ ومثل حال
nindex.php?page=showalam&ids=7927مسطح؛ وإن السبب يكون خاصا؛ ولكن الحكم يكون عاما؛ وهو نهي عن الحلف؛ وعن المحلوف به؛ ومؤداه أنه يجب عليه أن يرد نافعته إليه؛ ويستمر في النفقة؛ ويحنث في يمينه؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -:
" من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليحنث وليكفر " ؛ ولا تصح أيمان مانعة من الخير؛ كما قال (تعالى):
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ؛ أي: لا تجعلوها حائلة بينكم وبين أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس.
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22الفضل ؛ هنا؛ هو الخلق الكريم؛ الذي يفيض بالخير على الناس؛ فالمعنى: ولا يأتل أصحاب الفضل الذين لا يشحون بخير على من دونهم؛ ومن مثل
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر في الفضل؛ بعد النبيين؛ الذي كان إذا رأى من يفتن في دينه؛ اشتراه من وليه؛ وأعتقه؛ و " السعة " ؛ أي: الخير الكثير في المال؛ وبذلك يكون أولئك الفضلاء يجمعون بين الخلق الكامل؛ والمال الثري؛ يفيض بخلقه؛ ويعطي من ماله؛ يطالب هؤلاء بأن يغفروا زلات من يعطونهم؛ كما يغفر الله لهم زلاتهم وخطيئاتهم إن كانت؛ فيقول - سبحانه -
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22ألا تحبون أن يغفر الله لكم " ؛ الاستفهام بمعنى النفي؛ والتنبيه على وجوب الغفران؛ أي أنه كما أنكم تحبون أن يغفر الله لكم؛ فاصفحوا واعفوا؛ فإن الجزاء من جنس العمل والوجدان والإحساس؛ والفرق بين العفو؛ والصفح؛ هو أن العفو هو عدم جزاء السيئة بمثلها؛ ودفع السيئة بالحسنة؛ والصفح هو محو آثار الإساءة من النفس؛ وقد أمر الله (تعالى) رسوله بالصفح الجميل؛ فقال - عز من قائل -:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85فاصفح الصفح الجميل ؛ وهو الصفح مع تجافي ما يذكر بالإساءة.
[ ص: 5170 ] وقد ختم - سبحانه وتعالى - الآية بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22والله غفور رحيم ؛ أي: كثير المغفرة؛ تعم رحمته بكثرتها؛ وذكر هذين الوصفين في هذا المقام دعوة للناس بأن يتخلقوا بصفات الله؛ وإن كانت لا تليق إلا بذاته وجلاله.
وقد يستنبط الفقهاء من هذا خطأ من يقول: إن
nindex.php?page=treesubj&link=3131الزكاة لا تصرف لعاص؛ لأن ذلك يتنافى مع معنى هذه الآية؛ ومغزاها الكريم؛ ولأن منع العاصي ربما يؤدي إلى إسرافه في المعصية؛ والرفق به قد يقربه ويهديه.
[ ص: 5168 ] اَلْمَعْصِيَةُ لَا تُسَوِّغُ قَطْعَ الرَّحِمِ.. وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْإِفْكِ
قَالَ (تَعَالَى):
nindex.php?page=treesubj&link=16341_19957_20043_28723_29694_30658_32338_32371_32468_34405_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=25يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22وَلا يَأْتَلِ ؛ مَعْنَاهَا: لَا يَحْلِفْ؛ مِنْ " اَلْأَلِيَّةُ " ؛ بِمَعْنَى " اَلْحَلِفُ " ؛ وَ " اِئْتَلَى " ؛ اِفْتَعَلَ مِنْ " اَلْأَلِيَّةُ " ؛ وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=7927مِسْطَحَ بْنَ أَثَاثَةَ كَانَ ابْنَ خَالَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعَالَى) عَنْهُ -؛ وَكَانَ فَقِيرًا مِسْكِينًا؛ وَمُهَاجِرًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ وَحَضَرَ "
بَدْرًا " ؛ وَلَكِنْ زَلَقَ لِسَانُهُ؛ فَخَاضَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ؛ مَعَ قَرَابَتِهِ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ؛ الَّذِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ وَقَرَابَتِهِ؛ وَهِجْرَتِهِ؛ وَحُضُورِهِ "
بَدْرًا " ؛ فَلَمَّا فَعَلَ فَعْلَتَهُ؛ وَلَاكَ بِلِسَانِهِ سُمْعَةَ الصِّدِّيقَةِ
[ ص: 5169 ] بِنْتِ الصِّدِّيقِ؛ مَنَعَ النَّفَقَةَ؛ وَقَالَ: لَا أَنْفَعُهُ بِنَافِعَةٍ قَطُّ؛ فَنَهَاهُ اللَّهُ (تَعَالَى) عَنْ ذَلِكَ؛ وَكَانَ نَهْيًا عَامًّا لِكُلِّ مَنْ يَكُونُ فِي مِثْلِ حَالِ
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقِ؛ وَمِثْلِ حَالِ
nindex.php?page=showalam&ids=7927مِسْطَحٍ؛ وَإِنَّ السَّبَبَ يَكُونُ خَاصًّا؛ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ يَكُونُ عَامًّا؛ وَهُوَ نَهْيٌ عَنِ الْحَلِفِ؛ وَعَنِ الْمَحْلُوفِ بِهِ؛ وَمُؤَدَّاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ نَافِعَتَهُ إِلَيْهِ؛ وَيَسْتَمِرَّ فِي النَّفَقَةِ؛ وَيَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ؛ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
" مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَرَأَى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ فَلْيَحْنَثْ وَلِيُكَفِّرْ " ؛ وَلَا تَصِحُّ أَيْمَانٌ مَانِعَةٌ مِنَ الْخَيْرِ؛ كَمَا قَالَ (تَعَالَى):
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ؛ أَيْ: لَا تَجْعَلُوهَا حَائِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22الْفَضْلِ ؛ هُنَا؛ هُوَ الْخُلُقُ الْكَرِيمُ؛ الَّذِي يَفِيضُ بِالْخَيْرِ عَلَى النَّاسِ؛ فَالْمَعْنَى: وَلَا يَأْتَلْ أَصْحَابُ الْفَضْلِ الَّذِينَ لَا يَشِحُّونَ بِخَيْرٍ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ؛ وَمَنْ مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ فِي الْفَضْلِ؛ بَعْدَ النَّبِيِّينَ؛ الَّذِي كَانَ إِذَا رَأَى مَنْ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ؛ اشْتَرَاهُ مِنْ وَلِيِّهِ؛ وَأَعْتَقَهُ؛ وَ " اَلسَّعَةُ " ؛ أَيْ: اَلْخَيْرُ الْكَثِيرُ فِي الْمَالِ؛ وَبِذَلِكَ يَكُونُ أُولَئِكَ الْفُضَلَاءُ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْخُلُقِ الْكَامِلِ؛ وَالْمَالِ الثَّرِيِّ؛ يَفِيضُ بِخُلُقِهِ؛ وَيُعْطِي مِنْ مَالِهِ؛ يُطَالِبُ هَؤُلَاءِ بِأَنْ يَغْفِرُوا زَلَّاتِ مَنْ يُعْطُونَهُمْ؛ كَمَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ زَلَّاتِهِمْ وَخَطِيئَاتِهِمْ إِنْ كَانَتْ؛ فَيَقُولُ - سُبْحَانَهُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ " ؛ اَلِاسْتِفْهَامُ بِمَعْنَى النَّفْيِ؛ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى وُجُوبِ الْغُفْرَانِ؛ أَيْ أَنَّهُ كَمَا أَنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ؛ فَاصْفَحُوا وَاعْفُوا؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَالْوِجْدَانِ وَالْإِحْسَاسِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَفْوِ؛ وَالصَّفْحِ؛ هُوَ أَنَّ الْعَفْوَ هُوَ عَدَمُ جَزَاءِ السَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا؛ وَدَفْعُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ؛ وَالصَّفْحُ هُوَ مَحْوُ آثَارِ الْإِسَاءَةِ مِنَ النَّفْسِ؛ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ (تَعَالَى) رَسُولَهُ بِالصَّفْحِ الْجَمِيلِ؛ فَقَالَ - عَزَّ مِنْ قَائِلٍ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ؛ وَهُوَ الصَّفْحُ مَعَ تَجَافِي مَا يُذَكِّرُ بِالْإِسَاءَةِ.
[ ص: 5170 ] وَقَدْ خَتَمَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الْآيَةَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=22وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ؛ أَيْ: كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ؛ تَعُمُّ رَحْمَتُهُ بِكَثْرَتِهَا؛ وَذِكْرُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فِي هَذَا الْمَقَامِ دَعْوَةٌ لِلنَّاسِ بِأَنْ يَتَخَلَّقُوا بِصِفَاتِ اللَّهِ؛ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِذَاتِهِ وَجَلَالِهِ.
وَقَدْ يَسْتَنْبِطُ الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذَا خَطَأَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3131الزَّكَاةَ لَا تُصْرَفُ لِعَاصٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَنَافَى مَعَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ؛ وَمَغْزَاهَا الْكَرِيمِ؛ وَلِأَنَّ مَنْعَ الْعَاصِي رُبَّمَا يُؤَدِّي إِلَى إِسْرَافِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ؛ وَالرِّفْقَ بِهِ قَدْ يُقَرِّبُهُ وَيَهْدِيهِ.