لقد أنـزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون أكد - سبحانه - نزول الكتاب من عنده إليهم؛ باللام التي تفيد التوكيد؛ و "قد "؛ التي تفيد التحقيق؛ وكان التأكيد لأصل ما يعود به عليهم ذلك الكتاب العظيم; ولذلك قال (تعالى) - في هذا الكتاب -: فيه ذكركم هذا من إضافة المصدر للمفعول؛ أي: فيه تذكير لكم بالحق؛ والمواعظ؛ والأحكام الشرعية العادلة التي تنظم العلاقات بين [ ص: 4836 ] العباد؛ آحادا؛ وجماعات؛ ودولا؛ وفيه المواعظ والقصص والعبر؛ وكل هذا تذكرة وهداية وإرشاد.
ويقول : إن الذكر هنا هو الشرف؛ أي أن هذا الكتاب فيه شرف لكم؛ لأنه يشرف من ينزل إليهم؛ ومن يشيع علمه بينهم؛ كما قال (تعالى): الزمخشري وإنه لذكر لك ولقومك ؛ ونقول: إذا كان العرب يتفاخرون بقصيدة يقولها شاعر في قبيلة؛ فتكون فخرا لها؛ فإن القرآن وما قاله بشر؛ بل قاله الله (تعالى)؛ وهو تنزيل من عزيز حميد؛ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ وإنه لا يعرف قدره إلا من يعلو في البيان إلى تدبر معانيه؛ وفصاحة مبانيه؛ وبلاغة كلامه؛ ومقتضيات الأحوال; ولذا قال (تعالى): أعلى كلام في الوجود؛ وأبلغه؛ أفلا تعقلون الفاء عاطفة على فعل محذوف؛ يقدر بما يناسب المقام؛ فيقدر - مثلا -: "أتردونه فلا تعقلون؟! "؛ فلا تدركون بعقولكم حقيقة ما تردون؛ ويعود بالخير عليكم؛ شرفا وهداية وإرشادا ومواعظ وعبرا؛ والتنكير في "كتابا "؛ لبيان شرفه؛ أي: "كتابا أي كتاب ".
عاد - سبحانه - بعد هذا الإرشاد الحكيم بالقرآن الكريم؛ فقال - عز من قائل -: