وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما "عنت "؛ من "عنا؛ يعنو "؛ إذا خضع؛ وخشع؛ وخنع؛ ومنه قولهم عن الأسير: إنه العاني؛ أي: الخاضع؛ وهذا الخنوع؛ هل هو في الدنيا؛ أم في اليوم الآخر؟ إنه بلا شك في اليوم الآخر; لأن الله - سبحانه - هو ملك يوم الدين؛ وهو مالكه؛ ففيه لا يكون إرادة إلا إرادة الواحد القهار؛ وقيل: إن هذا في الدنيا؛ فإن الله (تعالى) في قبضته السماوات والأرض؛ فكل الوجود خانع عان له - سبحانه -؛ وأرى أن ذلك في الدنيا والآخرة: "الوجوه "؛ المراد به: الذوات كلها؛ فالوجه يعبر به عن الذوات; لأن به المواجهة؛ وقوله (تعالى): للحي القيوم أي: الذي يبقى؛ ولا يموت أبدا؛ فهو الحي الباقي؛ الذي تذل له كل الوجوه؛ و "القيوم "؛ هو القائم على الخلق؛ يدبرهم؛ وهو القائم عليهم؛ يحصي حسناتهم وسيئاتهم؛ وهو الدائم الباقي؛ ملك الناس في الدنيا والآخرة.
ولقد قال - سبحانه -: وقد خاب من حمل ظلما الواو واو الحال؛ والخيبة: الخسران؛ والفشل؛ والعجز؛ فهي تشمل في معناها كل هذه المعاني؛ وسجل - سبحانه وتعالى - الخيبة على من حمل ظلما؛ وعبر - سبحانه وتعالى - عن حمل الظلم؛ أو كسبه؛ بقوله (تعالى): "من حمل ظلما "؛ إشارة إلى أنه وزر كبير؛ ينوء به من يحمله؛ وأنه يحسبه هينا؛ وهو حمل ثقيل؛ وهو تنبيه لمن يظلمون مستهينين بالناس؛ مستخفين بأنهم يحملون ثقلا ينوء به الناس أمام الله؛ وقد نكر "ظلما "؛ للإشارة إلى أن عموم الظلم عبء كبير؛ والمعنى: "حمل ظلما أي ظلم "؛ وفي الحديث الصحيح: وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله - عز وجل -: (وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم) "؛ والخيبة كل الخيبة لمن لقي الله (تعالى) وهو به مشرك؛ فإن الله يقول: "إياكم والظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة "؛ إن الشرك لظلم عظيم ؛ والظلم - قل أو كثر - خيبة؛ كل الخيبة؛ لأن من ينال حقه بظلم؛ خائب أمام الله؛ والناس؛ والحق في ذاته؛ وناقص في إنسانيته؛ والله أعلم.