نجاة بني إسرائيل وغرق فرعون
ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونـزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى
لم يذكر - سبحانه وتعالى - إنزال الرجز عليهم؛ وآيات أخرى؛ ومجادلات لفرعون وملئه؛ وادعائهم التطير بموسى ومن معه؛ ويلاحظ أنه لم يحاول الفتك بموسى وأخيه هارون؛ وقد ذكرت هذه الأحوال في سورة "الأعراف "؛ وهكذا تتبع موسى مع فرعون وبني إسرائيل؛ يبدو بادي الرأي أنها مكررة؛ وبالتأمل تجدها [ ص: 4758 ] غير مكررة؛ وما يذكر في مكان يترك في مكان آخر؛ وفي كل مكان كانت عبرة قائمة بذاتها؛ يذكر لها جزء من القصة؛ لتفرد كل عبرة في موضع؛ فيكون التجدد والتنبيه المستمر؛ والعبرة؛ قصة موسى للقاء فرعون؛ واللقاء بين نبي اختصه الله (تعالى) بأن كلمه تكليما؛ وأكبر الطغاة الذي تشبه به كل طاغية في الأرض؛ وآخرهم من رأينا في استعداد مصر؛ الذي أجرى الله مراحيض مصر على جثمانه النجس؛ ويصور هذا الجزء استدرار الطغاة لعاطفة مخالفيهم؛ ثم استبداده من بعد أن يغلب؛ كما رأينا في معاملته للسحرة؛ الذين قال لهم: قال آمنتم له قبل أن آذن لكم وقطع أيديهم وأرجلهم.
بعد ذلك ترك المجادلات؛ واتجه القرآن الكريم إلى نهاية الطاغوت في الأرض؛ وإغراق صاحبه: ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا أوحى الله (تعالى) إلى نبيه موسى: "أن أسر بعبادي "؛ "أن "؛ هنا؛ تفسيرية؛ أي أن الإيحاء كان هو قوله: أسر بعبادي؛ "الإسراء ": السير ليلا؛ وكأنهم خرجوا على استخفاء من فرعون؛ خشية أن يبادرهم بالإيذاء؛ ولكنه علم بهم؛ فلحقهم بجنوده؛ وأمر الله (تعالى) موسى أن يخط لهم طريقا يبسا جافا من الماء; ولأن خط هذا الطريق كان بالضرب بالعصا التي بيده دائما؛ عبر عن الأمر بالتخطيط بالضرب؛ وقد جاء في سورة "الشعراء ": فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين
وفي هذه الآية أكد - سبحانه - وحيه لموسى باللام و "قد "؛ وقوله (تعالى): "يبسا "؛ مصدر؛ هو وصف للطريق الذي أمر موسى به؛ وهو مصدر من "يبس ".
وقد طمأن الله موسى ومن معه من بني إسرائيل؛ الذين سماهم "عباده "; لأنه خلصهم من فرعون وأهواله؛ طمأنهم بقوله (تعالى): لا تخاف دركا ولا تخشى [ ص: 4759 ] و "الدرك ": اللحاق؛ أي: لا تخاف أن يلحقوك؛ و "الدرك "؛ بالسكون؛ والفتح: الإدراك الحسي؛ وهو الوصول إليك واللحاق بك؛ ولا تخشى بأسه؛ فأنت في أمن الله (تعالى)؛ الذي لا يدرك من هو في أمنه؛ و "لا "؛ هنا للنفي؛ لا للنهي؛ فالمعنى: ليس من شأنك أن تخاف اللحاق بك؛ ولا تخشى بعد اليوم بطش فرعون وقومه؛ والجملتان حاليتان؛ وإن من يكون في أمان الله لا يخاف أحدا؛ ولا يخشاه؛ ولقد بين الله (تعالى) أن فرعون منعهم؛ وحاول اللحاق بهم؛ ولكنه لقي حتفه في هذا اللحاق؛ ولذا قال (تعالى):