وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا في هذا النص الكريم أمران جليلان؛ الأمر الأول إيجابي؛ وهو بر أمه؛ وحسن صحبتها؛ والإحسان إليها؛ جزاء ما نالت بسببه؛ فقد وضعته كرها؛ وحملته كرها؛ ونالت من الأذى النفسي؛ والملام؛ وتحملت ما تحملت في سبيل ذلك؛ حتى برأها الله (تعالى) بكلامه هو؛ ومهما يكن؛ فقد تحملت قبل أذى كثيرا؛ فكانت جديرة بحسن الصحبة؛ والإحسان؛ وهو البر الطاهر الكريم؛ بالآدمية الروحية.
الأمر الثاني سلبي؛ وهو قوله (تعالى): ولم يجعلني جبارا شقيا الجبار هو الظالم المتكبر؛ المتطاول على الناس بالحق؛ الذي يؤذي الضعفاء؛ ويستعلي عليهم؛ وقد كان من نعمة الله (تعالى) التي أنعم - الله (تعالى) - على عيسى - عليه السلام - أنه لم يجعله جبارا؛ وقد وصف الجبار بأنه شقي؛ مطرود من رحمة الله؛ وقد كتبت عليه أما في الدنيا؛ فهو أنه مبغض إلى الناس؛ يتمنون به النازلات؛ ويتحينون له الفرص ليردوه؛ وهو يتوجس بنفسه من الناس؛ وممن يحيطون به؛ فهو في شقاء دائم؛ لنفرة الناس منه؛ فلا سعادة في نفسه؛ وإن حسبه الناس سعيدا ؛ فهو [ ص: 4636 ] شقي؛ ولذا قال: "من مشى مع ظالم فقد أجرم "؛ ثم بين الغلام الزكي أنه يعيش في سلام؛ ولذا قال الله عنه: الشقوة في الدنيا والآخرة؛