واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنـزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ويوم نسير الجبال وترى [ ص: 4537 ] الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنـزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا "واضرب "؛ معناه: بين لهم "مثل "؛ حال؛ "الحياة الدنيا "؛ في زخرفها؛ وبريقها؛ كماء أنـزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض أي: فاختلطت به بذور الأرض التي صارت نباتا؛ وصارت ريانة به؛ وجرت فيها الحياة؛ ولكن استمرت أمدا ليس طويلا؛ فأصبحت هشيما؛ أي: حطبا متكسرا؛ يتفتت؛ حتى تذروه الرياح؛ وكان الله على كل شيء مقتدرا إذ أنشأ من الماء حياة في البذور؛ ففلق الحب؛ فكان نباتا قد اختلط بالماء؛ إذ كان مادة نمائه؛ واستوى به على سوقه؛ ولكن لم يلبث إلا قليلا؛ حتى تكسر؛ ثم تفتت فكانت الرياح تحمله وتذروه من مكان إلى مكان؛ ثم آل بقدرته إلى ما آل إليه.
والتشبيه هو تشبيه الدنيا بالحال التي تكون من اختلاط الماء بأصول النبات؛ والتفافه بعضه ببعضه؛ ثم تكسره السريع؛ مع تفتته؛ فليس التشابه بين الحياة الدنيا؛ [ ص: 4538 ] والماء؛ بل بين الدنيا؛ وهذه الحالة من الماء والنبات؛ ثم سرعة الفناء والتكسر؛ والتفتت العاجل القريب.
وقد صور الله (تعالى) حال الدنيا بمثل ذلك في آيات أخر؛ من ذلك قوله (تعالى): إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنـزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام ؛ وقوله (تعالى): اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما
هذه وقد ذكر - سبحانه - أبرز ما في الحياة من زينة ومتاع؛ فقال - عز من قائل -:
حال الدنيا؛ متاع قليل؛ وفناء سريع؛ والآخرة خير وأبقى؛