وإن هذه حال أهل اليمين، أما حال أهل الشمال فقد أشار سبحانه وتعالى إليها بقوله تعالى:
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا .
العمى هنا هو عدم إدراك النعمة أو عدم شكرها والكفر بها، ففي الكلام استعارة حيث شبه عمى القلب بعمى البصر بجامع عدم الإدراك في كل، فمن عمي في الدنيا لا يدرك النعم أو يدركها ولا يشكرها فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا أي فهو في الآخرة أكثر عمى وأضل سبيلا، أي أبعد عن إدراك الطريق المستقيم؛ لأنه في الآخرة قد انتهى وقت العمل وفيها الجزاء، أو لأن عمى الدنيا [ ص: 4429 ] قد يعوض بجارحة أخرى كالسمع واللمس، أما عمى الآخرة فلا يوجد فيه معوض عن البصر، ولأن عمى الدنيا قد تدركه التوبة ففي الزمان متسع لها، أما الآخرة فالعمى فيها لا يستدرك بتوبة، إنما زمن الاستدراك في الحياة الدنيا، وإن التعبير بالعمى في الدنيا مجازي كما أشرنا وفي الآخرة هو مجازي أيضا، وقيل: إن كلمة (أعمى) الثانية هي أفعل تفضيل ويجوز ذلك في عمى القلب، ولعل ذلك أخذوه من العطف عليها بـ (أضل) وهي أفعل تفضيل.
ولقد روي أنه جاء نفر من أهل اليمن إلى فسألوه عن هذه الآية، فقال اقرأ ما قبلها ابن عباس ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر إلى قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا قال من كان في هذه النعم والآيات التي رأى أعمى، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا. ابن عباس: