وقد بين الله سبحانه وتعالى بعد ذلك أنه أرسل الرسل بهذه الحقيقة لينذر المشركين بإرسالهم، فقال تعالى: ينـزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون .
(الروح) فسره ابن كثير بأنه الوحي، كما قال تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم
وتسمية الوحي روحا؛ لأنه يجيء بما فيه حياة الناس، فهو كالحياة لهم، أو يقوم مقام الروح في الأجساد. وقوله تعالى: على من يشاء من عباده أي من [ ص: 4130 ] اختارهم لرسالته ويصطفيهم، الله يختبر من يشاء من عباده وهو أعلم حيث يجعل رسالته.
وقوله تعالى: من أمره أي أنها مقبلة بأمره سبحانه، أو من أجل أمره وتنفيذ ما قدر وقرر، وأمره بينه سبحانه بقوله تعالى: أنه لا إله إلا أنا فاتقون
فهو تقرير للوحدانية جاء على لسان الحق جل جلاله أنه لا إله إلا أنا داخل عليها حرف جر، وهو الباء و (أن) هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، أي أنه الحال والشأن لا إله إلا أنا وقد ذكر ضمير المتكلم لتربية المهابة، ولفيض جلاله سبحانه وتعالى، والجملة دالة على القصر، فالألوهية مقصورة على الذات العلية، وما ينحلونها بالألوهية من أوثان باطل في أصله، وإنما هي أوهامهم التي أعطتها صبغة الألوهية، وإذا كان الله تعالى جل جلاله هو وحده الإله فإن الوقاية من عذابه، وخوف عقابه أمران لازمان؛ ولذا رتب سبحانه على وصفه وحده بالألوهية قوله: فاتقون فالفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإنه إذا كان هو الإله وحده لا شريك له، فلا يتقى غيره، وجاء على لسان الأمر، لكي يجتنبوا ما يعرضهم للعذاب، ومعنى (اتقوا) اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية، واملئوا قلوبكم بتقواه، كما قال تعالى: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون