ولقد ذكر الله بعض شر ما قالوا فقال: وقالوا يا أيها الذي نـزل عليه الذكر إنك لمجنون .
هذه صورة من طغيانهم، طغت الأوثان على تفكيرهم، حتى حسبوا من يدعو إلى التوحيد مجنونا، وأكدوا جنونه وقالوا مخاطبين النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا أيها الذي نـزل عليه الذكر النداء للبعيد، لكبر الدعوى التي يدعونها، وهي جنون النبي - صلى الله عليه وسلم - و الذكر أي المذكر لهم ببطلان عبادة الأوثان، وأنها أحجار لا تضر ولا تنفع، وتسميته بالذكر من الله تعالى لا منهم؛ لأنهم لو علموه ذكرا ما أنكروه، والجملة - كيفما كان أمرهم - ساقوها متهكمين لاذعين بالقول، كما حكى الله تعالى عن الملأ من آل فرعون: قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون [ ص: 4069 ] فالكلام سوق لبيان تهكمهم على رسولهم، وإن كان فيه إشارة إلى التنديد بهم، وهو أنهم بدل أن يعتبروا ويتذكروا يتهكمون مع أنه ذكر لهم.
وقد أكدوا دعواهم بجنونه فقالوا: إنك لمجنون خاطبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك الخطاب الذي يبهت كل عاقل مدرك، أكدوه بـ (إن) التي لتوكيد القول، وبالجملة الاسمية، وباللام، وإن هذا يدل على شدة تمسكهم بعبادة الأوثان حتى عدوا كل من يدعو إلى تركها مجنونا، ويدل على شدة طغيانهم وأنهم لا يذعنون للحق، وإن دلت عليه دلالة واضحة بينة، ويدل ثالثا: على إمعانهم في إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المؤمنين وبعد أن سارعوا بالإنكار وادعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءهم بغير المعقول، تعنتوا وزعموا أنهم يطلبون دليلا