الكافرون بالنعم ظالمون
قال الله تعالى:
[ ص: 4047 ] ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال
ذكر الله سبحانه وتعالى مثلا كاملا لشكر النعمة، واختار لذلك خليله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لأنه أبو العرب الذين يعتزون بنسبه، وهو الذي أجرى الله على يديه بناء البيت مكان عزهم، وذكره دعوة إلى اتباع ملته، والإسلام ملة إبراهيم الذي سمى المسلمين مسلمين.
بعد ذلك ذكر سبحانه من يكفرون النعمة ويظلمون أنفسهم بكفرهم، فقال عز من قائل: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار
الحسبان هو الظن أو العلم المبني على الظن، والنبي - صلى الله عليه وسلم - منزه عن أن يظن الغفلة أو السهو على الله تعالى، فالله يعلم ما كان وما يكون، وما هو كائن؛ ولأنه تعالى وعده بالنصر، والعقاب الشديد على ما يفعله، وأنه محص عليهم أعمالهم، كل امرئ بما كسب، فكيف ينهى عن الظن بأن الله غافل، وما كان احتمال لأن يرد ذلك على قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ينهى عنه، والجواب في ذلك أن هذا الكلام لتأكيد أن الله تعالى يحصي على المشركين أعمالهم، كما يقول تعالى: ولا تكونن من المشركين وكقوله تعالى: [ ص: 4048 ] ولا تدع مع الله إلها آخر فهو نهي للتثبت وتأكيد أنه لم يقع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفوق ذلك أن النهي إعلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه عالم بحالهم محص عليهم سيئاتهم، وهو تهديد شديد لهم، كما يقول المجادل لمجادله: لا تجهل أني عالم بكل أخطائك، فهو إعلام، وهو تهديد للمشركين.
وعبر بقوله تعالى: الظالمون فأظهر في موضع الإضمار لتسجيل الظلم عليهم؛ ولأن العقاب سبب الظلم، فهم أشركوا، والشرك ظلم عظيم، وآذوا المؤمنين والمؤمنات، وذلك اعتداء ظالم أثيم، وصدوا عن سبيل الله، فلم يتركوا الناس أحرارا يعتقدون ما يرونه حقا.
وإذا كان الله تعالى عالما بظلمهم مجازيهم على ما يفعلون من آثام، فهو لا يهملهم، ولكن يمهلهم، ولقد قال تعالى في ذلك: وأملي لهم إن كيدي متين وفي هذا النص السامي يقول سبحانه: إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار