ثم أكد سبحانه عموم خلقه فهو لم يخلق العقلاء وحدهم بل خلق الوجود كله.
يقول تعالى:
هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون
أنعم الله تعالى على خلقه العقلاء بنعمتي الليل والنهار، ليل ليسكنوا فيه ويقروا مع أهليهم وذرياتهم قرة أعينهم وليطمئنوا، وجعل النهار مبصرا ليعملوا في الأرض يعمروها ويصلحوها، وفي قوله تعالى: والنهار مبصرا مجاز لأن المبصر هو الحي الذي رزق نعمة البصر ووصف به الزمان للمبالغة في وصف نوره وضيائه، وفي هذا إشارة إلى أصل خلق الكون; فاختلاف الليل والنهار حال موقع الشمس من الأرض، وذكر هذا فيه دلالة بالاقتضاء على نعمة الله في خلق الكون كله من السماء ببروجها والأرض برواسيها ومهادها وآكامها وطبقات معادنها وأطيارها وأسماكها وكل ما فيها من نعم، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وأن الكون كله وما فيه من آيات تدل على أنه الواحد الأحد وأنه لا معبود سواه; لأنه الإله وحده، وأن ما يسمونه لهم عبادة ليس بعبادة إنما هي أوهام سيطرت عليهم خضعوا لها ولأهوائهم، ولذلك قال تعالى: إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون إشارة إلى الدلائل البينة الواضحة لخلق الليل والنهار [ ص: 3610 ] لقوم يسمعون الحي ويستجيبون له ويهتدون به، وكأن الله تعالى ينفي السماع عمن يسمعون ولا يفقهون، كقوله تعالى: ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها
ولكن في هذه الآية ذكر سبحانه السمع دون البصر; لأن القرآن يتلى عليهم والآيات تقرع حسهم فلا يعتبرون، فهم لا يسمعون دعاء القرآن لهم بعبادة الله تعالى وحده ولو كانوا يعتبرون بالآيات لسمعوا القرآن واعتبروا به.