وفي "تهذيب المدونة" للمالكية: وإذا أتى من تأخير الأئمة ما يستنكر جمع الناس لأنفسهم إن قدروا، وإلا صلوا ظهرا، وتنفلوا بصلاتهم معهم . قال: وأهل السجن [ ص: 440 ] فجائز أن يجمعوا . وأراد بالتجميع هنا: صلاة الظهر جماعة، لا صلاة الجمعة; فإنه قال قبله: ومن لا تجب عليه الجمعة مثل المرضى والمسافرين والفرق بين صلاة الظهر جماعة يوم الجمعة، ممن تجب عليه وممن لا تجب عليه: أن من تجب عليه يتهم في تركها، بخلاف من لا تجب عليه فإن عذره ظاهر . وقد روي عن وإذا فاتت الجمعة من تجب عليهم فلا يجمعوا . ، أن تجميع الأنصار ابن سيرين بالمدينة إنما كان عن رأيهم . من غير أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكلية، وأن ذلك كان قبل فرض الجمعة .
قال في "مسائله ": ثنا أبي: ثنا عبد الله ابن الإمام أحمد -: ثنا إسماعيل - هو: ابن علية أيوب، عن محمد بن سيرين ، قال: نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم المدينة قالوا: لو نظرنا يوما فاجتمعنا فيه، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله علينا به، فقالوا: يوم السبت، ثم قالوا: لا نجامع اليهود في يومهم . قالوا: يوم الأحد، قالوا: لا نجامع النصارى في يومهم . قالوا: فيوم العروبة . قال: وكانوا يسمون يوم الجمعة: يوم العروبة . فاجتمعوا في بيت ، فذبحت لهم شاة، فكفتهم . أبي أمامة أسعد بن زرارة
وروى في "كتابه " عن عبد الرزاق ، عن معمر أيوب، عن . قال: جمع أهل ابن سيرين المدينة قبل أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقبل أن تنزل الجمعة، وهم الذين سموها الجمعة، فقالت الأنصار: لليهود يوم يجتمعون فيه كل ستة أيام، وللنصارى - أيضا - مثل ذلك، فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه، [ ص: 441 ] ونذكر الله عز وجل، ونصلي ونشكره - أو كما قالوا -، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوا يوم العروبة، وكانوا يسمون يوم الجمعة: يوم العروبة، فاجتمعوا إلى ، فصلى بهم وذكرهم، فسموه: يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه، فذبح أسعد بن زرارة لهم شاة، فتغدوا وتعشوا من شاه واحدة ليلتهم، فأنزل الله بعد ذلك: أسعد بن زرارة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله . فوقع في كلام : أن هذه هي الجمعة التي جمعها الإمام أحمد ، وهي التي ذكرها مصعب بن عمير في حديثه، أنهم كانوا أربعين رجلا . كعب بن مالك
وفي هذا نظر .
ويحتمل أن يكون هذا الاجتماع من الأنصار كان باجتهادهم قبل قدوم مصعب إليهم، ثم لما قدم مصعب عليهم جمع بهم بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان الإسلام حينئذ قد ظهر وفشا، وكان يمكن إقامة شعار الإسلام في المدينة، وأما اجتماع الأنصار قبل ذلك، فكان في بيت قبل ظهور الإسلام أسعد بن زرارة بالمدينة وفشوه، وكان باجتهاد منهم، لا بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - . والله سبحانه وتعالى أعلم .
* * *
[قال ] : باب من أين تؤتى الجمعة، وعلى من تجب؟ لقول الله عز وجل: البخاري إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله [ ص: 442 ] وقال : إذا كنت في قرية جامعة، فنودي بالصلاة من يوم الجمعة . فحق عليك أن تشهدها، سمعت النداء أو لم تسمعه . عطاء
وكان في قصره، أحيانا يجمع، وأحيانا لا يجمع، وهو بالزاوية على فرسخين . أنس بن مالك
تضمن هذا الذي ذكره مسألتين:
إحداهما: أن وقد حكاه عن من هو في قرية تقام فيها الجمعة، فإنه إذا نودي فيها بالصلاة للجمعة وجب عليه السعي إلى الجمعة، وشهودها، سواء سمع النداء أو لم يسمعه . عطاء
وهذا الذي في القرية، إن كان من أهلها المستوطنين بها، فلا خلاف في لزوم السعي إلى الجمعة له، وسواء سمع النداء أو لم يسمع، وقد نص على ذلك الشافعي ، ونقل بعضهم الاتفاق عليه . وإن كان من غير أهلها، فإن كان مسافرا يباح له القصر، فأكثر العلماء على أنه لا يلزمه الجمعة مع أهل القرية، وقد ذكرنا فيما تقدم أن المسافر لا جمعة عليه . وأحمد
وحكي عن الزهري ، أنه يلزمه تبعا لأهل القرية . وروي عن والنخعي - أيضا -، أنه يلزمه . وكذا قال عطاء : إن أدركه الأذان قبل أن يرتحل فليجب . الأوزاعي
وإن كان المسافر قد نوى إقامة بالقرية تمنعه من قصر الصلاة، فهل يلزمه الجمعة; فيه وجهان لأصحابنا . وأوجب عليه الجمعة في هذه الحال: مالك ، ولم يوجبها عليه [ ص: 443 ] وأبو حنيفة وأصحابه . الشافعي
المسألة الثانية: إن هذا مما اختلف فيه العلماء: من كان خارج القرية أو المصر الذي تقام فيه الجمعة، هل تلزمه الجمعة مع أهل القرية أو المصر، أم لا؟
فقالت طائفة: لا تلزم من كان خارج المصر أو القرية الجمعة مع أهله بحال، إذا كان بينهم وبين المصر فرجة، ولو كانوا من ربض المصر .
وهذا قول الثوري وأصحابه، إلحاقا لهم بأهل القرى; فإن الجمعة لا تقام عندهم في القرى . وأبي حنيفة
وقال أكثر أهل العلم: تلزمهم الجمعة مع أهل المصر أو القرية، مع القرب دون البعد . ثم اختلفوا في حد ذلك:
فقالت طائفة: المعتبر: إمكان سماع النداء، فمن كان من موضع الجمعة بحيث يمكنه سماع النداء لزمه، وإلا فلا . هذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق .
واستدلوا بظاهر قول الله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب . وروي عن - معناه . [ ص: 444 ] وخرج أبي أمامة الباهلي من حديث أبو داود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: عبد الله بن عمرو بن العاص وروي موقوفا، وهو أشبه . "الجمعة على من سمع النداء"
وروى إسماعيل، عن عبد العزيز بن عبد الله ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن عبيد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه - يرفعه -، قال: "لينتهين أقوام يسمعون النداء يوم الجمعة، ثم لا يشهدونها، أو ليطبعن الله على قلوبهم، وليكونن من الغافلين، أو ليكونن من أهل النار " . عبد العزيز هذا، شامي تكلموا فيه .
وقالت طائفة: وهو قول تجب الجمعة على من بينه وبين الجمعة فرسخ، وهو ثلاثة أميال، ابن المسيب والليث ومالك وهو رواية عن ومحمد بن الحسن، . أحمد
ومن أصحابنا من قال: لا فرق بين هذا القول والذي قبله; لأن الفرسخ هو منتهى ما يسمع فيه النداء - غالبا -; فإن قال: الجمعة على من سمع النداء، والنداء يسمع من فرسخ، وكذلك رواه جماعة عن أحمد . فيكون هذا القول والذي قبله واحدا . مالك
وخرج من رواية الخلال مندل، عن ، عن ابن جريج عبد الله بن محمد ابن عقيل ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جابر "عسى أحدكم أن يتخذ الصبة على رأس ميلين أو ثلاثة، تأتي عليه الجمعة لا يشهدها، ثم تأتي الجمعة لا يشهدها - ثلاثا - فيطبع على قلبه " . مندل فيه ضعف . وخرج نحوه من حديث الطبراني - مرفوعا . [ ص: 445 ] وفي إسناده: ابن عمر إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو ضعيف .
وروى معدي بن سليمان، عن عن أبيه، عن ابن عجلان، . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة خرجه "ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم على رأس ميل أو ميلين، فيتعذر عليه الكلأ، فيرتفع، ثم تجيء الجمعة، فلا يجيء ولا يشهدها، وتجيء الجمعة، فلا يشهدها، وتجيء الجمعة، فلا يشهدها حتى يطبع على قلبه " . . ابن ماجه
وخرجه أبو بكر النجاد ، وفي روايتهما: "ميلين أو ثلاثة" . وابن عبد البر
ومعدي هذا، تكلم فيه وغيره . أبو زرعة
وقال : شيخ . أبو حاتم
وقالت طائفة: تجب الجمعة على من بينه وبينها أربعة أميال . وروي عن ابن المنكدر والزهري وعكرمة وربيعة . وروي عن - أيضا - تحديده بستة أميال، وهي فرسخان . الزهري
وروي عن ، قال: تؤتى الجمعة من فرسخين . خرجه أبي هريرة بإسناد ضعيف . ابن أبي شيبة
وروى بإسناد منقطع، عن عبد الرزاق ، أنه كان يقوم على منبر . فيقول لقوم بينهم وبين دمشق أربع فراسخ وخمس فراسخ: إن الجمعة لزمتكم، وأن لا جمعة إلا معنا . معاذ
وبإسناد منقطع، عن ، أنه كان يأمر بشهود الجمعة من بينه وبين [ ص: 446 ] دمشق أربعة عشر ميلا . وقال معاوية بقية، عن محمد بن زياد : أدركت الناس بحمص تبعث الخيل نهار الخميس إلى جوسية وحماة والرستن يجلبون الناس إلى الجمعة، ولم يكن يجمع إلا بحمص .
وعن . أنه سئل: من كم يؤتى الجمعة؟ قال: من سبعة أميال . وعنه، قال: يقال: من عشرة أميال إلى بريد . عطاء
وعن ، قال: تؤتى الجمعة من فرسخين . النخعي
وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه أمر أهل قباء، وأهل ذي الحليفة، وأهل القرى الصغارحوله: لا يجمعوا، وأن يشهدوا الجمعة بالمدينة .
وعن ربيعة - أيضا -، أنه قال: تجب الجمعة على من إذا نودي بصلاة الجمعة خرج من بيته ماشيا أدرك الجمعة .
وقالت طائفة: تجب الجمعة على من آواه الليل إلى منزله .
قال : روي ذلك عن ابن المنذر ابن عمر وأبي هريرة وأنس والحسن مولى ونافع ، وكذلك قال ابن عمر عكرمة والحكم وعطاء والأوزاعي . انتهى . وأبو ثور
وهو قول أبي خيثمة زهير بن حرب وسليمان بن داود الهاشمي .
وحكى إسماعيل بن سعيد الشالنجي، عن نحوه، واختاره أحمد [ ص: 447 ] وفيه حديث مرفوع، من حديث الجوزجاني . . وقد ذكره أبي هريرة ، وبين ضعف إسناده، وأن الترمذي أنكره أشد الإنكار . أحمد
وفيه - أيضا -، عن ، وإسناده ضعيف . وفيه - أيضا - من مراسيل عائشة أبي قلابة ، وفي إسناده ضعف .
وقالت طائفة: تؤتى الجمعة من فرسخين، قاله النخعي نقله عنه حرب . لكنهما لم يصرحا بوجوب ذلك، وقد تقدم نحوه عن غير واحد . وإسحاق،
وخرج من طريق حرب عن ابن أبي عروبة، ، عن قتادة ، أنه كان يجمع من الزاوية، وهي فرسخان . وروى أنس ، عن عبد الرزاق ، عن معمر عن ثابت، ، أنه كان يكون بينه وبين أنس البصرة ثلاثة أميال، فيشهد الجمعة بالبصرة .
وقد ذكر عنه أنه كان أحيانا لا يجمع . وكذلك روي عن البخاري ، أنه كان بالشجرة - وهي أبي هريرة ذو الحليفة -، فكان أحيانا يجمع، - وأحيانا لا يجمع . وقد روي عنه الأمران جميعا . وكذلك ، كان في قصره بالعقيق، فكان أحيانا يجمع . وأحيانا لا يجمع، وكان بينه وبين المدينة سبعة أميال أو ثمانية . [ ص: 448 ] وكذلك روي عن سعد بن أبي وقاص عائشة بنت سعد ، أن أباها كان يفعل .