قوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: هذا مأخوذ من قوله عز وجل: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره " . إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم فإذا كان المؤمنون إخوة أمروا فيما بينهم بما يوجب تآلف القلوب واجتماعها، ونهوا عما يوجب تنافر القلوب واختلافها، وهذا من ذاك .
وأيضا: فإن الأخ من شأنه أن يوصل إلى أخيه النفع، ويكف عنه الضرر . ومن أعظم الضر الذي يجب كفه عن الأخ المسلم الظلم، وهذا لا يختص [ ص: 288 ] بالمسلم، بل هو محرم في حق كل أحد، وقد سبق الكلام على الظلم مستوفيا عند ذكر حديث الإلهي: أبي ذر "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" .
ومن ذلك: خذلان المسلم لأخيه، فإن المؤمن مأمور أن ينصر أخاه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: خرجه "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" . قيل: يا رسول الله، أنصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال: "تمنعه عن الظلم، فذلك نصرك إياه " . بمعناه من حديث البخاري . وخرجه أنس بمعناه من حديث مسلم . جابر
وخرج من حديث أبو داود أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله . عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ما من امرئ مسلم يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته " .
وخرج من حديث الإمام أحمد ، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي أمامة بن سهل "من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رءوس الخلائق يوم القيامة" .
وخرج من حديث البزار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عمران بن حصين "من نصر [ ص: 289 ] أخاه بالغيب وهو يستطيع نصره نصره الله في الدنيا والآخرة" .
ومن ذلك: وفي "مسند كذب المسلم لأخيه، فلا يحل له أن يحدثه فيكذبه، بل لا يحدثه إلا صدقا . " عن الإمام أحمد النواس بن سمعان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت به كاذب " .
ومن ذلك: وهو ناشئ عن الكبر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: احتقار المسلم لأخيه المسلم، خرجه "الكبر بطر الحق وغمط الناس " . من حديث مسلم - رضي الله عنه - . وخرجه ابن مسعود ، وفي رواية له: الإمام أحمد وفي رواية: "الكبر سفه الحق، وازدراء الناس "، وفي رواية زيادة: "وغمص الناس "، "فلا يراهم شيئا" .
وغمص الناس: الطعن عليهم وازدراؤهم . وقال الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن فالمتكبر ينظر إلى نفسه بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص، فيحتقرهم ويزدريهم، ولا يراهم أهلا لأن يقوم بحقوقهم، ولا أن يقبل من أحد منهم الحق إذا أورده عليه .