وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين [ ص: 39 ] قوله تعالى: وفي موسى أي: وفيه أيضا آية إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين أي: بحجة ظاهرة فتولى أي: أعرض (بركنه) قال بأصحابه . وقال مجاهد: "بركنه" و"بجانبه" سواء، إنما هي ناحيته أبو عبيدة: وقال ساحر أي: وقال لموسى: هذا ساحر أو مجنون وكان يقول: "أو" بمعنى الواو . فأما "اليم" فقد ذكرناه في [الأعراف: 136] و"مليم" في [الصافات: 142] . أبو عبيدة
قوله تعالى: وفي عاد أي: في إهلاكهم آية أيضا إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم وهي التي لا خير فيها ولا بركة، لا تلقح شجرا ولا تحمل مطرا، وإنما هي للإهلاك . وقال هي الجنوب . سعيد بن المسيب:
ما تذر من شيء أتت عليه أي: من أنفسهم وأموالهم إلا جعلته كالرميم أي: كالشيء الهالك البالي . قال الرميم: نبات الأرض إذا يبس وديس . وقال الفراء: الرميم: الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم . الزجاج:
وفي ثمود آية أيضا إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فيه قولان .
أحدهما: أنه قيل لهم: تمتعوا في الدنيا إلى وقت انقضاء آجالكم تهددا لهم .
والثاني: أن صالحا قال لهم بعد عقر الناقة: تمتعوا ثلاثة أيام; فكان الحين وقت فناء آجالهم، فعتوا عن أمر ربهم قال عصوا أمره مقاتل: فأخذتهم الصاعقة يعني: العذاب، وهو الموت من صيحة جبريل .
[ ص: 40 ] وقرأ وحده: "الصعقة" [بسكون العين من غير ألف]; وهي الصوت الذي يكون عن الصاعقة . الكسائي
قوله تعالى: وهم ينظرون فيه قولان .
أحدهما: يرون ذلك عيانا . والثاني: وهم ينتظرون العذاب، فأتاهم صيحة يوم السبت .
قوله تعالى: فما استطاعوا من قيام فيه قولان .
أحدهما: ما استطاعوا نهوضا من تلك الصرعة .
والثاني: ما أطاقوا ثبوتا لعذاب الله وما كانوا منتصرين أي: ممتنعين من العذاب . قوله تعالى: وقوم نوح من قبل قرأ إلا أبو عمرو عبد الوارث، وحمزة، بخفض الميم، وروى والكسائي: رفع الميم، والباقون بنصبها . قال عبد الوارث، من خفض القوم فالمعنى: وفي قوم الزجاج: نوح آية، ومن نصب فهو عطف على معنى قوله: فأخذتهم الصاعقة فإن معناه: أهلكناهم، فيكون المعنى: وأهلكنا قوم نوح، والأحسن - والله أعلم - أن يكون محمولا على قوله: فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم لأن المعنى: أغرقناه، وأغرقنا قوم نوح .
والسماء بنيناها المعنى: وبنينا السماء بنيناها (بأيد) أي: بقوة، وكذلك قال ابن عباس، ومجاهد، وسائر المفسرين واللغويين: وقتادة، "بأيد" أي: بقوة .
وفي قوله: وإنا لموسعون خمسة أقوال .
[ ص: 41 ] أحدها: لموسعون الرزق بالمطر، قاله والثاني لموسعون السماء، قاله الحسن . ابن زيد . والثالث: لقادرون، قاله والرابع: لموسعون ما بين السماء والأرض، قاله ابن قتيبة . والخامس: لذو سعة لا يضيق عما يريد حكاه الزجاج . الماوردي .
قوله تعالى: والأرض فرشناها فنعم الماهدون قال هذا عطف على ما قبله منصوب بفعل مضمر محذوف يدل عليه قوله: الزجاج: "فرشناها"، فالمعنى فرشنا الأرض فرشناها "فنعم الماهدون" أي: فنعم الماهدون نحن . قال مقاتل: "فرشناها" أي: بسطناها مسيرة خمسمائة عام، وهذا بعيد، وقد قال الأرض عشرون ألف فرسخ، والله تعالى أعلم . قتادة:
قوله تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين أي: صنفين ونوعين كالذكر والأنثى، والبر والبحر والليل والنهار، والحلو والمر، والنور والظلمة، وأشباه ذلك لعلكم تذكرون فتعلموا أن خالق الأزواج واحد .
ففروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم; والمعنى: اهربوا مما يوجب العقاب من الكفر والعصيان إلى ما يوجب الثواب من الطاعة والإيمان .