قوله تعالى: أتواصوا به أي: أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب؟! وهذا استفهام توبيخ . وقال أتواطؤوا عليه فأخذه بعضهم من بعض؟! أبو عبيدة:
قوله تعالى: بل هم قوم طاغون أي: يحملهم الطغيان فيما أعطوا من الدنيا على التكذيب; والمشار إليهم أهل مكة .
فتول عنهم فقد بلغتهم فما أنت عليهم "بملوم" لأنك قد أديت الرسالة . ومذهب أكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة، ولهم في ناسخها قولان .
أحدهما: أنه قوله: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين والثاني: آية السيف . وفي قوله: "وذكر" قولان . أحدهما: عظ، قاله والثاني: ذكرهم بأيام الله وعذابه ورحمته، قاله مقاتل . الزجاج .
قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أثبت الياء في "يعبدون" و"يطعمون" و"لا يستعجلون" في الحالين يعقوب . واختلفوا في هذه الآية على أربعة أقوال .
أحدها: إلا لآمرهم أن يعبدوني، قاله واختاره علي بن أبي طالب، الزجاج .
والثاني: إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها، قاله وبيان هذا قوله: ابن عباس; ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله [الزخرف: 87] .
والثالث: أنه خاص في حق المؤمنين . قال ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني . وقال سعيد بن المسيب: الضحاك، والفراء، هذا خاص لأهل طاعته، وهذا اختيار وابن قتيبة: القاضي أبي يعلى فإنه قال: معنى هذا الخصوص لا العموم، لأن البله والأطفال والمجانين لا يدخلون تحت الخطاب وإن كانوا [ ص: 43 ] من الإنس، فكذلك الكفار يخرجون من هذا بدليل قوله: ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس [الأعراف: 179]، فمن خلق للشقاء ولجهنم، لم يخلق للعبادة .
والرابع: إلا ليخضعوا إلي ويتذللوا . ومعنى العبادة في اللغة: الذل والانقياد . وكل الخلق خاضع ذليل لقضاء الله عز وجل لا يملك خروجا عما قضاه الله عز وجل، هذا مذهب جماعة من أهل المعاني .
قوله تعالى: ما أريد منهم من رزق أي: ما أريد أن يرزقوا أنفسهم وما أريد أن يطعمون أي: أن يطعموا أحدا من خلقي، لأني أنا الرزاق . وإنما أسند الإطعام إلى نفسه، لأن الخلق عيال الله، ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه . وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: آدم: استطعمتك فلم تطعمني"، أي: لم تطعم عبدي . "يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا ابن
فأما "الرزاق" فقرأ الضحاك، وابن محيصن: "الرازق" بوزن "العالم" .
قال هو المتكفل بالرزق القائم على كل نفس بما يقيمها [ ص: 44 ] من قوتها . و الخطابي: المتين الشديد القوة الذي لا تنقطع قوته ولا يلحقه في أفعاله مشقة . وقد روى عن قتيبة أنه قرأ: "المتين" بكسر النون وكذا قرأ الكسائي أبو رزين وقتادة، وأبو العالية، قال والأعمش، الزجاج: ذو القوة المتين أي: ذو الاقتدار الشديد، ومن رفع "المتين" فهو صفة الله عز وجل، ومن خفضه جعله صفة للقوة، لأن تأنيث القوة كتأنيث الموعظة، فهو كقوله: فمن جاءه موعظة من ربه [البقرة: 275] .
قوله تعالى: فإن للذين ظلموا يعني مشركي مكة (ذنوبا) أي: نصيبا من العذاب مثل ذنوب أصحابهم الذين أهلكوا، كقوم نوح وعاد وثمود . قال الذنوب في كلام الفراء: العرب: الدلو العظيمة، ولكن العرب تذهب بها إلى النصيب والحظ، قال الشاعر:
لنا ذنوب ولكم ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب
والذنوب يذكر ويؤنث . وقال أصل الذنوب: الدلو العظيمة، وكانوا يستقون، فيكون لكل واحد ذنوب، فجعل "الذنوب" مكان "الحظ والنصيب" . ابن قتيبة،
قوله تعالى: فلا يستعجلون أي: بالعذاب إن أخروا إلى يوم القيامة، وهو يومهم الذي يوعدون، ويقال: هو يوم بدر .