إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين
قوله تعالى : " إن إبراهيم كان أمة " قال : هذا مثل قول ابن الأنباري العرب : فلان رحمة ، وفلان علامة ، ونسابة ، ويقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه ، والعرب قد توقع الأسماء المبهمة على الجماعة ، وعلى الواحد ، كقوله : فنادته الملائكة [آل عمران :39] ، وإنما ناداه جبريل وحده .
وللمفسرين في المراد بالأمة هاهنا ثلاثة أقوال :
أحدها : أن الأمة : الذي يعلم الخير ، قاله ، ابن مسعود ، والفراء . وابن قتيبة
والثاني : أنه المؤمن وحده في زمانه ، روى هذا المعنى عن الضحاك ، وبه قال ابن عباس . مجاهد
والثالث : أنه الإمام الذي يقتدى به ، قاله ، قتادة ، ومقاتل ، وهو في معنى القول الأول . فأما القانت فقال وأبو عبيدة : هو المطيع . وقد شرحنا " القنوت " في (البقرة 116،238) وكذلك الحنيف [البقرة :135] . ابن مسعود
[ ص: 504 ] قوله تعالى : " ولم يك " قال : أصلها : لم يكن ، وإنما حذفت النون عند الزجاج ، لكثرة استعمال هذا الحرف ، وذكر الجلة من البصريين أنها إنما احتملت الحذف ، لأنه اجتمع فيها كثرة الاستعمال ، وأنها عبارة عن كل ما يمضي من الأفعال وما يستأنف ، وأنها قد أشبهت حروف اللين ، وأنها تكون علامة كما تكون حروف اللين علامة ، وأنها غنة تخرج من الأنف ، فلذلك احتملت الحذف . سيبويه
قوله تعالى : " شاكرا لأنعمه " انتصب بدلا من قوله : " أمة قانتا " وقد ذكرنا واحد الأنعم آنفا ، وشرحنا معنى " الاجتباء " في (الأنعام :87) قال : والمراد بالصراط المستقيم هاهنا : الإسلام . مقاتل
قوله تعالى : " وآتيناه في الدنيا حسنة " فيها ستة أقوال :
أحدها : أنها الذكر الحسن ، قاله . والثاني : النبوة ، قاله ابن عباس . الحسن
والثالث : لسان صدق ، قاله . والرابع : اجتماع الملل على ولايته ، فكلهم يتولونه ويرضونه ، قاله مجاهد . والخامس : أنها الصلاة عليه مقرونة بالصلاة على قتادة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله . والسادس : الأولاد الأبرار على الكبر ، حكاه مقاتل بن حيان . وباقي الآية مفسر في (البقرة :130) . الثعلبي