وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين
قوله تعالى : " وقال الذين أشركوا " يعني : كفار مكة " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء " يعني : الأصنام ، أي : لو شاء ما أشركنا ولا حرمنا من دونه من شيء من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، والحرث ، وذلك أنه لما نزل وما تشاءون إلا أن يشاء الله [الدهر :30] قالوا هذا ، على سبيل الاستهزاء ، لا على سبيل الاعتقاد ، وقيل : معنى كلامهم : لو لم يأمرنا بهذا ويرده منا ، لم نأته .
قوله تعالى : " كذلك فعل الذين من قبلهم " أي : من تكذيب الرسل وتحريم ما أحل الله ، " فهل على الرسل إلا البلاغ المبين " يعني : ليس عليهم إلا التبليغ ، فأما الهداية فهي إلى الله تعالى ، وبين ذلك بقوله : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا " أي : كما بعثناك في هؤلاء " أن اعبدوا الله " أي : وحدوه " واجتنبوا الطاغوت " وهو الشيطان " فمنهم من هدى الله " أي : أرشده [ ص: 446 ] " ومنهم من حقت عليه الضلالة " أي : وجبت في سابق علم الله ، فأعلم الله عز وجل أنه إنما بعث الرسل بالأمر بالعبادة ، وهو من وراء الإضلال والهداية ، " فسيروا في الأرض " أي : معتبرين بآثار الأمم المكذبة ، ثم أكد أن من حقت عليه الضلالة لا يهتدي ، فقال : " إن تحرص على هداهم " أي : [إن] تطلب هداهم بجهدك " فإن الله لا يهدي من يضل " قرأ ، ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع : " لا يهدى " برفع الياء وفتح الدال ، والمعنى : من أضله فلا هادي له ، وقرأ وابن عامر ، عاصم ، وحمزة : " يهدي " بفتح الياء وكسر الدال ، ولم يختلفوا في " يضل " أنها بضم الياء وكسر الضاد ، وهذه القراءة تحتمل معنيين ، ذكرهما والكسائي : ابن الأنباري
أحدهما : لا يهدي من طبعه ضالا ، وخلقه شقيا .
والثاني : لا يهدي ، أي : لا يهتدي من أضله ، أي : من أضله الله لا يهتدي ، فيكون معنى يهدي : يهتدي ، تقول العرب : قد هدي فلان الطريق ، يريدون : اهتدى .