وقوله : والله لا يحب الفساد نص على بطلان مذهب أهل الإجبار ؛ لأن ما لا يحبه الله فهو لا يريده ، وما لا يريده فهو لا يحبه ؛ فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يحب الفساد ، وهذا يوجب أن لا يفعل الفساد ؛ لأنه لو فعله لكان مريدا له ومحبا له ؛ وهو [ ص: 397 ] مثل قوله : وما الله يريد ظلما للعباد فنفى عن نفسه فعل الظلم ؛ لأنه لو فعله لكان مريدا ، لاستحالة أن يفعل ما لا يريد .
ويدل على أن محبته لكون الفعل هي إرادته له ، أنه غير جائز أن يحب كونه ولا يريد أن يكون ، بل يكره أن يكون ؛ وهذا هو التناقض ، كما لو قال يريد الفعل ويكرهه لكان مناقضا مختلا في كلامه ؛ ويدل عليه قوله تعالى : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم والمعنى : إن الذين يريدون ، فدل على أن المحبة هي الإرادة ؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ، فجعل الكراهة في مقابلة المحبة ، فدل أن ما أراده فقد أحبه ، كما أن ما كرهه فلم يرده ؛ إذ كانت الكراهة في مقابلة الإرادة كما هي في مقابلة المحبة ، فلما كانت الكراهة نقيضا لكل واحدة من الإرادة ، والمحبة دل على أنهما سواء . إن الله أحب لكم ثلاثا وكره لكم ثلاثا : أحب لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ؛ وكره لكم القيل والقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال
قوله تعالى : فاعلموا أن الله عزيز حكيم فإن العزيز هو المنيع القادر على أن يمنع ؛ لأن أصل العزة الامتناع ، ومنه يقال : أرض عزاز ، إذا كانت ممتنعة بالشدة ، والصعوبة . وأما الحكيم فإنه يطلق في صفة الله تعالى على معنيين :
أحدهما : العالم ، وإذا أريد به ذلك جاز أن يقال : " لم يزل حكيما " والمعنى الآخر : من الفعل المتقن المحكم ، وإذا أريد به ذلك لم يجز أن يقال : " لم يزل حكيما " كما لا يجوز أن يقال " لم يزل فاعلا " فوصفه لنفسه بأنه حكيم يدل على أنه لا يفعل الظلم ، والسفه ، والقبائح ولا يريدها ؛ لأن من كان كذلك فليس بحكيم عند جميع أهل العقل ؛ وفيه دليل على بطلان قول أهل الجبر .