قوله تعالى : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآية قال : فيه تحذير من أبو بكر وما يبديه من حلاوة المنطق والاجتهاد في تأكيد ما يظهره ، فأخبر الله تعالى أن من الناس من يظهر بلسانه ما يعجبك ظاهره الاغترار بظاهر القول ويشهد الله على ما في قلبه وهذه صفة المنافقين ، مثل قوله تعالى : قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة وقوله : وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم فأعلم الله تعالى نبيه ضمائرهم لئلا يغتر بظاهر أقوالهم ، وجعله عبرة لنا في أمثالهم لئلا نتكل على ظاهر أمور الناس وما يبدونه من أنفسهم . وفيه الأمر بالاحتياط فيما يتعلق بأمثالهم من أمور الدين ، والدنيا ، فلا نقتصر فيما أمرنا بائتمان الناس عليه من أمر الدين ، والدنيا على ظاهر حال الإنسان دون البحث عنه . وفيه دليل على أن عليه ، وما جرى مجرى ذلك ، في أن لا يقبل منهم ظاهرهم حتى يسأل ويبحث عنهم ؛ إذ قد حذرنا الله تعالى أمثالهم في توليتهم على أمور المسلمين ، ألا ترى أنه عقبه بقوله : استبراء حال من يراد للقضاء والشهادة والفتية والإمامة وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل فكان ذكر التولي في هذا الموضع إعلاما لنا أنه غير جائز الاقتصار على ظاهر ما يظهره دون الاستبراء لحاله من غير جهته .
قوله تعالى : وهو ألد الخصام وهو وصف له بالمبالغة في شدة الخصومة ، والفتل للخصم بها عن حقه وإحالته إلى جانبه ؛ ويقال : " لده عن كذا " إذا حبسه ؛ وعلى هذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم : فكان معنى قوله : إنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار وهو ألد الخصام أنه أشد المخاصمين خصومة .