ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين
ألا تقاتلون الهمزة الداخلة على انتفاء مقاتلتهم للإنكار والتوبيخ تدل على تحضيضهم على المقاتلة بطريق حملهم على الإقرار بانتفائها، كأنه أمر لا يمكن أن يعترف به طائعا لكمال شناعته، فيلجئون إلى ذلك ولا يقدرون على الإقرار به فيختارون المقاتلة قوما نكثوا أيمانهم التي حلفوها عند المعاهدة على أن لا يعاونوا عليهم فعاونوا بني بكر على خزاعة وهموا بإخراج الرسول من مكة حين تشاوروا في أمره بدار الندوة، حسبما ذكر في قوله تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا) فيكون نعيا عليهم جنايتهم القديمة، وقيل: هم اليهود نكثوا عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهموا بإخراجه من المدينة وهم بدءوكم بالمعاداة والمقاتلة أول مرة لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءهم أولا بالكتاب المبين وتحداهم به، فعدلوا عن المحاجة لعجزهم عنها إلى المقاتلة، أو بدءوا بقتال خزاعة حلفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن إعانة بني بكر عليهم قتال معهم .
أتخشونهم أي: أتخشون أن ينالكم منهم مكروه حتى تتركوا قتالهم، وبخهم أولا بترك مقاتلتهم وحضهم عليها، ثم وصفهم بما يوجب الرغبة فيها، ويحقق أن من كان على تلك الصفات السيئة حقيق بأن لا تترك مصادمته، ويوبخ من فرط فيها فالله أحق أن تخشوه [ ص: 49 ] بمخالفة أمره وترك قتال أعدائه إن كنتم مؤمنين فإن قضية الإيمان تخصيص الخشية به تعالى، وعدم المبالاة بمن سواه، وفيه من التشديد ما لا يخفى.