ما كان لنبي وقرئ (للنبي) على العهد، والأول أبلغ؛ لما فيه من بيان أن ما يذكر سنة مطردة فيما بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أي: ما صح وما استقام لنبي من الأنبياء عليهم السلام أن يكون له أسرى وقرئ بتأنيث الفعل، وأسارى أيضا حتى يثخن في الأرض أي: يكثر القتل ويبالغ فيه؛ حتى يذل الكفر ويقل حزبه، ويعز الإسلام، ويستولي أهله، من أثخنه المرض والجرح إذا أثقله، وجعله بحيث لا حراك به ولا براح، وأصله الثخانة التي هي الغلظ والكثافة، وقرئ بالتشديد للمبالغة.
تريدون عرض الدنيا استئناف مسوق للعتاب، أي: تريدون حطامها بأخذكم الفداء، وقرئ (يريدون) بالياء والله يريد الآخرة أي: يريد لكم ثواب الآخرة، الذي لا مقدار عنده للدنيا وما فيها، أو يريد سبب نيل الآخرة من إعزاز دينه وقمع أعدائه، وقرئ بجر الآخرة على إضمار المضاف كما في [ ص: 36 ] قوله:
أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا
والله عزيز يغلب أوليائه على أعدائه حكيم يعلم ما يليق بكل حال، ويخصه بها، كما أمر بالإثخان، ونهى عن أخذ الفداء حين كانت الشوكة للمشركين، وخير بينه وبين المن بقوله تعالى: (فإما منا بعد وإما فداء) لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين.
روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بسبعين أسيرا فيهم العباس، وعقيل بن أبي طالب، فاستشار فيهم، فقال قومك وأهلك، استبقهم لعل الله يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوي أصحابك، وقال أبو بكر: اضرب أعناقهم، فإنهم أئمة الكفر، والله أغناك عن الفداء، مكن عمر: من عليا عقيل وحمزة من ومكني من فلان نسيب له فلنضرب أعناقهم، فقال صلى الله عليه وسلم: العباس، إبراهيم ، قال: فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، ومثلك يا مثل نوح، قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا» عمر فخير أصحابه، فأخذوا الفداء، فنزلت، فدخل «إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر مثل - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو عمر يبكيان، فقال: يا رسول الله، أخبرني، فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت، فقال: «أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه». وأبو بكر
وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو نزل عذاب من السماء لما نجا غير عمر وسعد بن معاذ» وكان هو أيضا ممن أشار بالإثخان.