فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم
يحتمل : فإن لم تجدوا فيها أحدا : من الآذنين ، فلا تدخلوها : واصبروا حتى تجدوا من يأذن لكم ، ويحتمل : فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكم فيها حاجة ، فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها ؛ وذلك أن الاستئذان لم يشرع ؛ لئلا يطلع الدامر على عورة ، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه فقط ؛ وإنما شرع لئلا يوقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم ويتحفظون من اطلاع أحد عليها ، ولأنه تصرف في ملك غيرك فلا بد من أن يكون برضاه ، وإلا أشبه الغصب والتغلب ، "فارجعوا" أي : لا تلحوا في إطلاق الإذن ، ولا تلجوا في تسهيل الحجاب ، ولا تقفوا على الأبواب منتظرين ؛ لأن هذا مما يجلب الكراهة ويقدح في قلوب الناس خصوصا إذا كانوا ذوي مروءة ومرتاضين بالآداب الحسنة ، وإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهة ، وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها : من قرع الباب بعنف ، والتصييح بصاحب الدار ، وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس ، وعن أبي عبيد : ما قرعت بابا على عالم قط ، وكفى بقصة بني أسد زاجرة وما نزل فيها من قوله : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون [الحجرات : 4 ] .
فإن قلت : هل يصح أن يكون المعنى : وإن لم يؤذن لكم وأمرتم بالرجوع فامتثلوا ، ولا تدخلوا مع كراهتهم ؟
قلت : بعد أن جزم النهي عن الدخول مع فقد الإذن وحده من أهل الدار حاضرين وغائبين ، لم تبق شبهة في كونه منهيا عنه مع انضمام الأمر بالرجوع إلى فقد الإذن .
فإن قلت : فإذا عرض أمر في دار : من حريق ، أو هجوم سارق ، أو ظهور منكر يجب إنكاره ؟
قلت : ذلك مستثنى بالدليل ، أي : الرجوع أطيب لكم وأطهر ؛ لما فيه من سلامة [ ص: 288 ] الصدور والبعد من الريبة ، أو أنفع وأنمى خيرا ، ثم أوعد المخاطبين بذلك بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به فموف جزاءه عليه .