"تستأنسوا " : فيه وجهان :
أحدهما : أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش ؛ لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له استأنس ، فالمعنى : حتى يؤذن لكم ؛ كقوله : لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم [الأحزاب : 53 ] ، وهذا من باب الكناية والإرداف ؛ لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن ، فوضع موضع الإذن .
والثاني أن يكون من الاستئناس الذي هو الاستعلام والاستكشاف : استفعال من أنس الشيء : إذا أبصره ظاهرا مكشوفا ، والمعنى حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال ، هل يراد دخولكم أم لا ، ومنه قولهم : استأنس هل ترى أحدا ، واستأنست فلم أر أحدا ، أي : تعرفت واستعلمت ؛ ومنه بيت [من البسيط ] : النابغة
على مستأنس وحد
[ ص: 285 ] ويجوز أن يكون من الإنس ، وهو أن يتعرف هل ثمة إنسان ، -رضي الله عنه - : قلنا : يا رسول الله ، ما الاستئناس ؟ قال : يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة ويتنحنح : يؤذن أهل البيت ، والتسليم : أن يقول : السلام عليكم ، أأدخل ؟ ثلاث مرات ؛ فإن أذن له وإلا رجع " أبي أيوب الأنصاري ، وعن أنه أتى باب أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما- فقال : السلام عليكم ، أأدخل ؟ قالها ثلاثا ثم رجع وقال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : "الاستئذان ثلاثا" عمر وعن روضة : "قومي إلى هذا فعلميه ؛ فإنه لا يحسن أن يستأذن ، قولي له : يقول : السلام عليكم ؟ أأدخل ؟ فسمعها الرجل فقالها ، فقال : ادخل " ، وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته : حييتم صباحا ، وحييتم مساء ، ثم [ ص: 286 ] يدخل ، فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد ، فصد الله عن ذلك ، وعلم الأحسن والأجمل ، وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة قد تركوا العمل به ، وباب الاستئذان من ذلك : بينا أنت في بيتك ، إذا رعف عليك الباب بواحد ، من غير استئذان ولا تحية من تحايي إسلام ولا جاهلية ، وهو ممن سمع ما أنزل الله فيه ، وما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن أين الأذن الواعية ؟ وفي قراءة واستأذن رجل على -رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال : أألج ؟ فقال -صلى الله عليه وسلم- لامرأة يقال لها : عبد الله : "حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا " ، فأخطأ الكاتب ، ولا يعول على هذه الرواية ، وفي قراءة : "حتى تستأذنوا " ، "ذلكم " : الاستئذان والتسليم ، أبي خير لكم : من تحية الجاهلية والدمور -وهو الدخول بغير إذن- واشتقاقه من الدمار وهو الهلاك ، كأن صاحبه دامر لعظم ما ارتكب ، وفي الحديث : ، وروي "من سبقت عينه استئذانه ، فقد دمر " ، أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم - : أأستأذن على أمي ؟ قال : "نعم " ، قال : إنها ليس لها خادم غيري ، أأستأذن عليها كلما دخلت ؟ قال : "أتحب أن تراها عريانة ؟" قال الرجل : لا ، قال : "فاستأذن " لعلكم تذكرون أي : أنزل عليكم ، أو قيل : لكم هذا إرادة أن تذكروا [ ص: 287 ] وتتعظوا وتتعلموا بما أمرتم به في باب الاستئذان .