ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى [ ص: 194 ] ثم محلها إلى البيت العتيق
تعظيم الشعائر -وهي الهدايا ؛ لأنها من معالم الحج - : أن يختارها عظام الأجرام حسانا سماتا غالية الأثمان ، ويترك المكاس في شرائها ، فقد كانوا يغالون في ثلاث -ويكرهون المكاس فيهن - : الهدي ، والأضحية ، والرقبة ، عن أبيه -رضي الله عنهما- أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار ، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا ، فنهاه عن ذلك ، وقال : "بل أهدها " ، وأهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة بدنة ، فيها جمل ابن عمر لأبي جهل في أنفه برة من ذهب ، وكان وروى يسوق البدن مجللة بالقباطي ، فيتصدق بلحومها وبجلالها ، ويعتقد أن طاعة الله في التقرب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لا بد أن يقام به ويسارع فيه ، ابن عمر فإنها من تقوى القلوب أي : فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب ، فحذفت هذه [ ص: 195 ] المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها ؛ لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى : " من " ؛ ليرتبط به ؛ وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ، ظهر أثرها في سائر الأعضاء ، إلى أجل مسمى : إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها ، و "ثم " : للتراخي في الوقت ، فاستعيرت للتراخي في الأحوال ، والمعنى : أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم ؛ وإنما يعتد الله بالمنافع الدينية ؛ قال سبحانه : تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة [الأنفال : 67 ] ، وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطا في النفع : محلها إلى البيت ، أي : وجوب نحرها ، أو وقت وجوب نحرها في الحرم منتهية إلى البيت ؛ كقوله : هديا بالغ الكعبة [المائدة : 95 ] ، والمراد : نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت ؛ لأن الحرم هو حريم البيت ؛ ومثل هذا في الاتساع قولك : بلغنا البلد ، وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده ، وقيل : المراد بالشعائر : المناسك كلها ، و محلها إلى البيت العتيق : يأباه .