سورة الجن
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا
قوله تعالى قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن اختلف أهل التفسير في على قولين : سبب حضور النفر من الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن
أحدهما : أن الله تعالى صرفهم إليه بقوله : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن [الأحقاف : 29] ، قاله ابن مسعود وطائفة . والضحاك
الثاني : أنه كان للجن مقاعد في السماء الدنيا يستمعون منها ما يحدث فيها من أمور الدنيا ، فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم حرست السماء الدنيا من الجن ورجموا بالشهب ، قال : ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو أثر له ظاهر ، قال : فلما رأى أهل السدي الطائف اختلاف الشهب في السماء قالوا : هلك أهل السماء فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويسيبون مواشيهم ، فقال لهم عبد ياليل بن عمرو :
[ ص: 108 ]
ويحكم أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم ، فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها لم يهلك أهل السماء ، وإنما هذا من أجل ابن أبي كبشة يعني محمدا فلما رأوها مستقرة كفوا . وفزعت الجن والشياطين ، ففي رواية أنهم أتوا إبليس فأخبروه بما كان من أمرهم ، فقال : ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوها فشمها فقال : صاحبكم السدي بمكة فبعث نفرا من الجن . . وفي رواية : أنهم رجعوا إلى قومهم فقالوا : ما حال بيننا وبين السماء إلا أمر حدث في الأرض ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، ففعلوا حتى أتوا ابن عباس تهامة ، فوجدوا محمدا صلى الله عليه وسلم يقرأ . ثم اختلفوا لاختلافهم في السبب ، فمن قال إنهم صرفوا إليه قال إنه رآهم وقرأ عليهم ودعاهم ، روى هل شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن أم لا؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن مسعود (قد أمرت أن أتلو القرآن على الجن فمن يذهب معي؟ فسكتوا ، ثم الثانية فسكتوا ، ثم الثالثة ، فقال ابن مسعود أنا أذهب معك ، فانطلق حتى جاء الحجون عند شعب أبي دب ، فخط علي خطا ثم قال : لا تجاوزه ، ثم مضى إلى الحجون فانحدروا عليه أمثال الحجل حتى غشوه فلم أره)، قال : وكانوا اثني عشر ألفا من عكرمة جزيرة الموصل . ومن قال إنهم صرفوا في مشارق الأرض ومغاربها لاستعلام ما حدث فيها ، قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها . روى عن سعيد بن جبير قال : ابن عباس ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم ، وإنما انطلق في نفر من أصحابه إلى سوق عكاظ ، فأتوه وهو بنخلة عامدا ، إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن قالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء . قال عكرمة : السورة التي كان يقرؤها اقرأ باسم ربك واختلف قائلو هذا [ ص: 109 ]
القول في عددهم ، فروى عن عاصم أنهم كانوا تسعة ، أحدهم زوبعة ، أتوه في زر بن حبيش بطن نخلة . وروى عن ابن جريج : أنهم كانوا سبعة ، ثلاثة من أهل مجاهد حران ، وأربعة من أهل نصيبين ، وكانت أسماؤهم : حسى ومسى وماصر وشاصر والأرد وأتيان والأحقم . وحكى جويبر عن أنهم كانوا تسعة من أهل الضحاك نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق ، وهم سليط وشاصر وماصر وحسا ومنشا ولحقم والأرقم والأرد وأتيان ، وهم الذين قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ، وكانوا قد أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة في صلاة الصبح فصلوا معه : فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به وقيل إن الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامهم . واختلف في ، فروى أصل الجن إسماعيل عن أن الجن ولد إبليس ، والإنس ولد الحسن البصري آدم ، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون وهم شركاء في الثواب والعقاب فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولي الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان . وروى عن الضحاك : أن الجن هم ولد الجان وليسوا شياطين وهم يموتون ، ومنهم المؤمن والكافر ، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس أصلهم ، فمن زعم أنهم من الجان لا من ذرية إبليس قال يدخلون الجنة بإيمانهم ، ومن قال هم من ذرية إبليس فلهم فيها قولان : ابن عباس
أحدهما : يدخلونها وهو قول . الحسن
الثاني : وهو رواية ، لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار . وفي قوله تعالى : مجاهد إنا سمعنا قرآنا عجبا ثلاثة أوجه :
أحدها : عجبا في فصاحة كلامه .
الثاني : عجبا في بلاغة مواعظه .
[ ص: 110 ]
الثالث : عجبا في عظم بركته . يهدي إلى الرشد فيه وجهان :
أحدهما : مراشد الأمور .
الثاني : إلى معرفة الله . وأنه تعالى جد ربنا فيه عشرة تأويلات : أحدها : أمر ربنا ، قاله . السدي
الثاني : فعل ربنا ، قاله . ابن عباس
الثالث : ذكر ربنا ، وهو قول . مجاهد
الرابع : غنى ربنا ، قاله . عكرمة
الخامس : بلاء ربنا ، قاله . الحسن
السادس : ملك ربنا وسلطانه ، قاله . أبو عبيدة
السابع : جلال ربنا وعظمته ، قاله . قتادة
الثامن : نعم ربنا على خلقه ، رواه . الضحاك
التاسع : تعالى جد ربنا أي تعالى ربنا ، قاله . سعيد بن جبير
العاشر : أنهم عنوا بذلك الجد الذي هو أبو الأب ، ويكون هذا من قول الجن عن [جهالة] . وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا فيه قولان :
أحدهما : جاهلنا وهم العصاة منا ، قال : عصاه سفيه الجن كما عصاه سفيه الإنس . قتادة
الثاني : أنه إبليس ، قاله مجاهد ورواه وقتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن قوله : (شططا) وجهان : أبو بردة بن أبي موسى الأشعري
أحدهما : جورا ، وهو قول أبي مالك .
الثاني : كذبا ، قاله ، وأصل الشطط البعد ، فعبر به عن الجور لبعده من العدل ، وعن الكذب لبعده عن الصدق . الكلبي
[ ص: 111 ]
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن قال : إنه كان الرجل في الجاهلية قبل الإسلام إذا نزل بواد قال : إني أعوذ بكبير هذا الوادي - يعني من الجن - من سفهاء قومه ، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم ، وهو معنى قوله : ابن زيد وأنه كان رجال . وفي قوله : فزادوهم رهقا ثمانية تأويلات : أحدها : طغيانا ، قاله . مجاهد
الثاني : إثما ، قاله ابن عباس ، قال وقتادة الأعشى
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها هل يشتفي عاشق ما لم يصب رهقا .
يعني إثما .
الثالث : خوفا ، قاله أبو العالية والربيع . وابن زيد
الرابع : كفرا ، قاله . سعيد بن جبير
الخامس : أذى ، قاله . السدي
السادس : غيا ، قاله . مقاتل
السابع : عظمة ، قاله . الكلبي
الثامن : سفها ، حكاه . ابن عيسى