وقال أبو الحسن بن عصفور: هي حرف، ومما استدل به على حرفيتها هذه الآية حيث قال: إنها تدل على أن علة الإهلاك الظلم، والظرف لا دلالة له على العلية، واعترض بأن قولك: أهلكته وقت الظلم يشعر بعلية الظلم وإن لم يدل الظرف نفسه على العلية، وقيل: لا مانع من أن يكون ظرفا استعمل للتعليل.
وجعلنا لمهلكهم لهلاكهم موعدا وقتا معينا لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون، فمفعل الأول مصدر والثاني اسم زمان، والتعيين من جهة أن الموعد لا يكون إلا معينا وإلا فاسم الزمان مبهم، والعكس ركيك، وزعم بعضهم أن المهلك على هذه القراءة وهي قراءة حفص في الرواية المشهورة عنه - أعني القراءة بفتح الميم وكسر اللام - من المصادر الشاذة كالمرجع والمحيض، وعلل ذلك بأن المضارع يهلك بكسر اللام وقد صرحوا بأن مجيء المصدر الميمي مكسورا فيما عين مضارعه مكسورة شاذ، وتعقب بأنه قد صرح في القاموس بأن هلك جاء من باب ضرب ومنع وعلم فكيف يتحقق الشذوذ؛ فالحق أنه مصدر غير شاذ وهو مضاف للفاعل؛ ولذا فسر بما سمعت، وقيل: إن هلك يكون لازما ومتعديا فعنتميم هلكني فلان، فعلى تعديته يكون [ ص: 307 ] مضافا للمفعول، وأنشد في ذلك: - ومه مه هالك من تعرجا - أي: مهلكه، وتعقبه أبو علي بأنه لا يتعين ذلك في البيت بل قد ذهب بعض النحويين إلى أن هالكا فيه لازم وأنه من باب الصفة المشبهة، والأصل هالك من تعرجا بجعل من فاعلا ل «هالك»، ثم أضمر في هالك ضمير مهمه وانتصب من على التشبيه بالمفعول ثم أضيف من نصب، والصحيح جواز استعمال الموصول في باب الصفة المشبهة، وقد ثبت في أشعار أبو حيان العرب قال عمرو بن أبي ربيعة:
أسيلات أبدان دقاق خصورها وثيرات ما التفت عليها الملاحف
وقرأ حفص وهارون وحماد ويحيى عن بفتح الميم واللام، وقراءة الجمهور بضم الميم وفتح اللام وهو مصدر أيضا، وجعله اسم مفعول على معنى: وجعلنا لمن أهلكناه منهم في الدنيا موعدا ننتقم فيه منه أشد انتقام وهو يوم القيامة أو جهنم -لا يخفى ما فيه، والظاهر أن الآية استشهاد على ما فعل أبي بكر بقريش من تعيين الموعد ليعتبروا ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم، وهي ترجح حمل الموعد فيما سبق على يوم بدر فتدبر. والله تعالى أعلم وأخبر.