الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وركع من خشي فوات ركعة دون الصف إن ظن إدراكه قبل الرفع يدب كالصفين لآخر فرجة قائما أو راكعا لا ساجدا أو جالسا )

                                                                                                                            ش : اعلم أنه إن خشي أن تفوته الركعة إذا تمادى إلى الصف وظن أنه إذا كبر وركع يدركها ويدرك الصف بالدب إليه في حالة الركوع قبل رفع الإمام رأسه من الركوع ففي ذلك ثلاثة أقوال عن مالك : الأول - مذهب المدونة أنه يكبر ويدرك الركعة ويدب إلى الصف . الثاني - رواه أشهب أنه لا يكبر حتى يأخذ مقامه من الصف .

                                                                                                                            الثالث - رواه ابن حبيب لا يكبر حتى يأخذ مقامه من الصف أو يقرب منه ، فإن كان يعلم أنه لا يدرك الصف في دبه في حالة الركوع قبل رفع الإمام رأسه ، وأنه يدركه بعد فلم يختلف قول مالك في أنه لا يجوز له الركوع دون الصف إذا رفع بل يتمادى إلى الصف وإن فاتته الركعة ، فإن فعل أساء وأجزأته صلاته ولا يمشي إلى الصف إذا رفع رأسه من الركوع حتى يتم الركعة ويقوم في الثانية .

                                                                                                                            وقال ابن القاسم في المدونة : يركع دون الصف ويدرك الركعة .

                                                                                                                            وصوب أبو إسحاق قول ابن القاسم وابن رشد قول مالك ، وأما إن كان لا يدرك الصف لبعد ما بينه وبينه فلا يكبر ، انتهى مختصرا بالمعنى من رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة ووافق أبو إسحاق على غالبه إلا أنه قال في هذا الأخير أعني فيما إذا علم أنه لا يدرك الصف ، ولو دب إليه لبعده لا يكبر حتى يأخذ مكانه من الصف ، إلا أن تكون الأخيرة ، يعني أنه إذا تمادى فاتته فهاهنا يكبر ; لأنه إذا تمادى فاتته الركعة وفاته الصف جميعا انتهى . ونحوه للخمي ، وهو تقييد حسن لا ينبغي أن يخالف فيه .

                                                                                                                            وصرح بالاتفاق عليه ابن عزم في شرح الرسالة ونصه ومن دخل المسجد والإمام راكع وخاف إن تمادى إلى الصف فوات الركعة ، فإن علم أنها آخر الصلاة ركع في موضعه باتفاق ، وإن علم أنها غير الأخيرة فالجمهور يركع بموضعه كالأول ، وقال الشافعي يتقدم باتفاق ، ثم إن كان قريبا دب إلى الصف انتهى . وقال ابن عرفة إثر نقله كلام ابن رشد الأخير هذا خلاف رواية الشيخ عن ابن نافع أنه إن خاف فوات الركعة إن دخل المسجد كبر وركع على بلاط خارجه انتهى .

                                                                                                                            فيكون فيه قولان ، والله أعلم . وقول المصنف : قائما ، يريد في الركعة الثانية لا في قيامه بعد الركوع كما تقدم بيانه قريبا وكما بينه ابن رشد في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب وصور ذلك فيما إذا عجل الإمام فرفع قبل أن يمكنه الدب ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) ما ذكره الشارح والمصنف في التوضيح عن ابن الجلاب من قوله لا بأس أن يدب قبل الركوع وبعده وأن يدب راكعا لم يذكره ابن الحاجب في هذه المسألة ، وإنما ذكره في مسألة من رأى فرجة أمامه .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال ابن حبيب أرخص مالك للعالم أن يصلي مع [ ص: 132 ] أصحابه بموضعه ببعد من الصفوف ، فإن كانت في الصفوف فرجا فليسدها ، وفي الصحيح { من وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله } ، والله أعلم ، قاله الشيخ زروق في شرح الإرشاد

                                                                                                                            ص ( وإن شك في الإدراك ألغاها )

                                                                                                                            ش : يريد ويسجد بعد السلام ذكره في التوضيح عن ابن رشد وكذا ابن عرفة والشارح في شروحه ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد : ولو تحقق أن إدراكه بعد رفع رأسه لم يعتد بتلك الركعة اتفاقا ، قالوا : ولا يرفع رأسه بل يهوي لسجوده منه بعد إمامه ، فإن رفع فحكى الزهري في شرح قواعد عياض عن ابن القاسم الجزيري صاحب الوثائق أنه حكى البطلان وعزاه لمالك ، وسواء أتى بركعة بعد سلام الإمام أو لم يأت بها ، ووقفت عليه أيضا في جزء ألفه الجزيري المذكور في العبادات كذلك ، ونقله الشيخ أبو بكر محمد بن الفخار الخزامي في شرح الطليطلي عن نص كتاب التدريب ، ونقل ذلك شيخنا أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي في شرحه لابن الحاجب ، وذكرها أيضا خليل في التوضيح ولم يحرر نقله فانظره انتهى . وذكر الشيخ زروق هذا الفرع أيضا في شرح الرسالة ، وقال في أوله : فإن فعل ورفع معه عمدا أو جهلا بطلت صلاته أتى بركعة بعد سلام الإمام أو لم يأت بها ، ذكر ذلك الشيخ أبو بكر بن محمد بن الفخار الخزامي في شرح الطليطلي له ، وقال نص عليه صاحب كتاب التدريب .

                                                                                                                            ( قلت ) وذكره الجزيري صاحب الوثائق في جزء له في العبادات ، وقد أوقفنا عليه الأخ - في الله تعالى - أبو عمران موسى بن علي الأغطاوي المعروف بابن القعدة أحد المدرسين بجامع القرويين بفاس ونقل ذلك الزهري في شرحه على قواعد عياض ، وذكر هذه المسألة في التوضيح ولم يحرر نقلها انتهى .

                                                                                                                            وقال في التوضيح : قال ابن عبد السلام : الحق أنه يرفع موافقة للإمام ، وإن كان بعض أشياخي يقول يبقى كذلك في صورة الراكع حتى يهوي الإمام للسجود فيخر من الركوع ولا يرفع ، قال : لأن رفع الرأس من الركوع عقد للركعة فلو فعل ذلك كان قاضيا في حكم إمامه ، وهذا كما تراه ضعيف لا سيما على مخالفة الإمام ، وإنما يكون قاضيا لو كان رافعا من ركوع صحيح ، وإنما هو موافقة للإمام كما في السجود ، انتهى كلامه في التوضيح ، وهو حسن قوي ، والله تعالى أعلم . وقد وقفت على المسألة في كتاب التدريب لكن كلام الشيخ زروق أن صاحب كتاب التدريب غير صاحب الوثائق ، وأن ابن الفخار نقلها عن الثاني ، وقد نقل الهواري المسألة عن كتاب التدريب عن الجزيري ، وقال في آخره : ونقله عن ابن الفخار في تقييده على الرسالة ، ثم قال الهواري : ولم أر ذلك لغيره ولا اطلعت على نص في المسألة لسواه وفيما قاله عندي نظر ; لأن ثبوته على حالته مخالفة على الإمام وكون رفعه معه زيادة مستغنى عنها غير مسلم ; لأنه لما أحرم خلفه وركع راجيا إدراكه فانكشف خلافه لزمه متابعته في السجود والجلوس ، وإن لم يعتد بذلك ، انتهى بلفظه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية