الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( لأي جهة )

                                                                                                                            ش : ظاهره أن الصلاة في الحجر جائزة أيضا لأي جهة ولو استدبر البيت أو انحرف عنه إلى الشرق أو الغرب ولم أر في ذلك نصا والظاهر أن ذلك لا يصح ولا يجوز أما أولا فلأن الكلام في صحة استقبال الحجر من خارج قال اللخمي : ومنع مالك الصلاة في الحجر ولم يقل في التوجه إليه في الصلاة من خارج شيئا ، وقد قيل : إن الصلاة إليه باطلة لا تجزئ لأنه لا يقطع أنه من البيت وقد تواترت أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من البيت ولهذا [ ص: 512 ] ترك محجرا عليه من تلك الناحية دون غيرها ومرت الأعصار عليه على ذلك والأخبار بمثل ذلك فلو صلى مصل إليها لم أر عليه إعادة وهذا في مقدار ستة أذرع وأما ما زيد عليها فإنما زيد لئلا يكون ذلك الموضع مركنا فيؤذي الطائفين انتهى . وقوله ولهذا ترك محجرا عليه إلخ يعني ولأجل أن الحجر من البيت ترك البيت محجرا عليه من تلك الناحية دون غيرها والله أعلم . وقال : ابن عرفة بعد نقله كلام اللخمي المذكور وقول عياض : المقصود استقبال بنائه لا بقعته ولو كانت البقعة لاتفقوا على أن استقبال الحجر يبطلها ولو تيقن كونه منها انتهى . وموضع استدلال عياض المقصود استقبال بنائه لا بقعته لا قوله لاتفقوا لأنه إنما يدل على نفي الاتفاق ولم يدعه اللخمي ولا غيره والله أعلم . ويدل على عدم صحة استقباله ما ذكره القرافي لما حكى الخلاف في الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها قال : ومنشأ الخلاف هل المقصود في الاستقبال بعض هوائها أو بعض بنائها أو جملة بنائها وهوائها ؟ الأول مذهب أبي حنيفة وسوى بين داخل البيت وظهره لوجود الهواء ، والثاني مذهب الشافعي فسوى بين جزء البناء داخل البيت .

                                                                                                                            وعلى ظهره ، والثالث مذهبنا وهو مقتضى ظاهر النصوص ، فإن جزء البناء لا يسمى بناء ولا كعبة وأبعد منه جزء الهواء انتهى . وأيضا فقد قال اللخمي قبل كلامه المتقدم : ولو تنفل رجل في المسجد الحرام في خارج الكعبة إلى غير الكعبة وولاها ظهره لعوقب انتهى ، فظاهر كلامه هذا العموم والله أعلم ، وفي رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة في آخر شرح المسألة التاسعة والعشرين من الرسم المذكور ، قال : واختلف فيمن صلى بمكة إلى الحجر فقيل : لا تجزئه صلاته ; لأنه لا يقطع أنه من البيت وقيل تجزئه صلاته لتظاهر الأخبار أنه من البيت وذلك في مقدار ستة أذرع لأن ما زاد على ذلك ليس من البيت وإنما زيد فيه لئلا يكون مركنا فيؤذي الطائفين انتهى ، وذكر في التوضيح كلام اللخمي مختصرا قال : وحكى في البيان في التوجه إليه قولين انتهى . ولعل القولين هما القول الذي ذكره اللخمي والذي اختاره ولم يذكر ابن عرفة كلام ابن رشد المتقدم وفي مناسك ابن جماعة الكبير في أواخر الباب العاشر ولو استقبل المصلي الحجر ولم يستقبل الكعبة الشريفة لم تصح صلاته على الأصح عند الشافعية وهو قول الحنفية ومذهب المالكية وقال اللخمي : إنه لو صلى إليه مصل لم أر عليه إعادة في مقدار ستة أذرع وعند الحنابلة في صحة صلاته وجهان انتهى . فعلم من هذا ترجيح القول بعدم جواز الصلاة إليه لأنه جعله مذهب المالكية وقال البساطي في قول الشيخ في كتاب الحج : بخلاف الطواف والحجر لا يصلى إلى الحجر فانظره فيه والله أعلم . ويفهم من كلام الشارح في الكبير أن قوله لأي جهة راجع للكعبة ونصه قوله لأي جهة أي ولو جهة بابها وهكذا روي عن مالك وعنه يستحب أن لا يصلي إلى جهة بابها ، قال في البيان : واستحب أيضا أن يصلي إلى الناحية التي جاء أنه عليه الصلاة والسلام صلى إليها انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن الفرات في شرحه وقوله لأي جهة هكذا روي عن مالك وروي عنه استحباب أن لا يصلي إلى الباب وفي البيان رأى مالك أولا الصلاة فيها إلى أي نواحيها شاء إذ لا فرق ثم استحب الصلاة إلى الجهة التي جاء أنه صلى الله عليه وسلم صلى إليها انتهى . وكلام البيان الذي نقله عنه هو في رسم القرينان على ما نقله ابن عرفة ونصه وسمع القرينان تخييره الراكع فيه في أي نواحيه ثم رجع إلى استحباب جعل الباب خلفه لفعله صلى الله عليه وسلم إياه انتهى . ونحوه في التوضيح فانظر - رحمك الله - بعين الإنصاف وتأمل كيف يصح أن يحمل قول المصنف لأي جهة على أنه عائد للحجر مع أنه لم يقل أحد بجواز الصلاة إليه ابتداء وإنما الكلام في الصحة بعد الوقوع كما يفهم من كلام اللخمي وغيره والمصنف - رحمه الله تعالى - يتكلم في الجواز ابتداء [ ص: 513 ] ثم إن القول بصحة استقباله إنما هو للخمي ولم يرجحه أحد والقول الثاني اقتصر عليه البساطي ولا نعلم في المذهب شيئا يخالف ما نقله ، ونقل ابن جماعة أنه مذهب مالك وابن جماعة رجل ثقة في النقل وأيضا فلم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ولا غيرهم ولو وقع مثل ذلك لنقل بل المنقول أنه - صلى الله عليه وسلم - لما كان بمكة وكانت قبلته إلى الشام كان يحب أن لا يستدبر الكعبة فكان يصلي بين الركنين فإذا كان يحب أن لا يستدبرها وهي غير قبلة فكيف يمكن استدبارها مع كونها قبلة وأيضا فمن القواعد المقررة في باب القبلة أن القدرة على اليقين تمنع الاجتهاد فكيف يترك القبلة المقطوع بها ويصلي إلى ما لا يقطع به وإنما ثبت بخبر الآحاد واختلفت الآثار في قدره والذي أعتقده وأدين الله به أنه لا يجوز لأحد أن يستدبر الكعبة ويستقبل الشام أو يجعلها عن يمينه أو شماله ويستقبل الشرق أو الغرب ويحرم عليه ذلك وينهى عنه من فعله فإن عاد أدب والله الموفق للصواب .

                                                                                                                            وقال البساطي في شرح قول المصنف وجازت سنة فيها وفي الحجر لأي جهة يعني أنه يجوز التنفل في الكعبة المذكورة قيل وفي الحجر لأنه منها لأي جهة كان لأنه يستقبل بعضا منها على كل وجه انتهى كلامه ، هذا مشكل يقتضي أن قول المصنف لأي جهة عائد على الحجر والكعبة ولم أر ذلك في كلام أحد من العلماء لا من المالكية ولا من غيرهم ثم ذكر البساطي في آخر فصل الاستقبال كلاما أشد من الأول فانظره .

                                                                                                                            ص ( لا فرض فيعاد في الوقت )

                                                                                                                            ش : يعني لا يصلى فيها ولا في الحجر فرض وهل النهي على المنع أو الكراهة ؟ قال في التوضيح : لا يجوز الفرض ولا السنن ولا النافلة المؤكدة وقال ابن عرفة اللخمي : كره الفرض فيها مالك وأعاده في الوقت انتهى . وقال القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في تاريخه المسمى شفاء الغرام في الباب العاشر في حكم الصلاة في الكعبة ومشهور المذهب أن صلاة الفريضة لا تصح في الكعبة وأن من صلاها فيها أعاد الصلاة واختلف شيوخ المذهب في الإعادة هل تكون في الوقت أو أبدا انتهى ، وهنا بحث وهو أن الشاذروان عند المصنف ومن تبعه من البيت كما يقول في الحجر وإذا كان كذلك فمن صلى ملاصقا للبيت بحيث إنه إذا ركع صار رأسه وصدره على الشاذروان فهل يعيد أو لا ؟ يعيد والذي يظهر أنه يعيد ويحتمل أن يقال : لا يعيد والله - تعالى - أعلم . وقوله فيعاد في الوقت انظر ما المراد بالوقت هل الوقت المختار أو الوقت الضروري ؟ والظاهر من قوله في المدونة من صلى في الكعبة فريضة أعاد في الوقت كمن صلى إلى غير القبلة أن المراد المختار لأنه شبه هذه بتلك وتلك تقدم للمصنف أن المراد بالوقت الوقت المختار والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية