الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وزيادة النفقة عليه إن خيف ضياعه وإلا فوليه )

                                                                                                                            ش : يعني أن ولي الصبي إذا خرج به إلى الحج فزادت نفقته في السفر على نفقته في الحضر ، كما لو كانت نفقته في الحضر ربع درهم في اليوم وفي السفر نصف درهم فالزيادة في مال الصبي إن كان الولي يخاف عليه الضيعة إذا تركه ولم يستصحبه معه ، وإن كان لا يخاف عليه الضيعة بعده فالزيادة في مال الولي فقوله : " وإلا " شرط مركب من إن الشرطية ولا النافية ليس استثناء ، كما قاله الشارح في الصغير وجملة الشرط محذوفة ، وقوله : " فوليه " الفاء دخلت لربط الجواب بالشرط ووليه مبتدأ حذف خبره أي فوليه عليه الزيادة ، وقال في الكبير : أو يكون خبر مبتدأ محذوف أي وإلا فالزائد على وليه والأول أظهر ، انتهى .

                                                                                                                            وهذا ممتنع لما فيه من حذف حرف الجر وسواء في ذلك الأب والوصي وكل من كان الصبي في كفالته من أم أو غيرها ، قال في المدونة : وليس لأم الصبي أو أبيه أو من هو في حجره من وصي أو غيره أن يخرجه ويحجه وينفق عليه من مال الصبي إلا أن يخاف من ضيعته بعده أو لا كافل له فله أن يفعل به ذلك ، وإلا ضمن له ما أكرى له به وأنفق عليه إلا قدر ما كان ينفق عليه في مقامه انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) لم يذكر المصنف حكم السفر بالصبي وقال سند في الطراز : السفر في أصله مضرة بالصبي في بدنه ولما كان [ ص: 485 ] مشقة قصر المسافر وأفطر في رمضان والصبي لا يسلك به وليه إلا سبيل المصلحة فإن كان السفر مخوفا لشدة حر أو برد ونحوه لم يجز له أن يخرج به ; لما فيه من التغرير به وإن لم يكن مخوفا إلا أنه لا حاجة به إليه فالأب له أن يحمله معه لماله في صحبته حيث كان من حسن النظر ولكمال شفقته وله أن يتركه بعده لما عليه في السفر من المشقة والكلفة وغير الأب لا يخرج به إذا وجد من يكلفه بعده ، فإن خاف ضيعته حمله ونفقة الصبي في ماله إذا سافر لمصلحته ; لأن سفره مصلحة له في هذه الحالة وله حينئذ أن يحرم به ; لأنها مصلحة دينية لا كبير ضرر فيها على الصبي ; لأنه مع وليه انتهى .

                                                                                                                            وقال قبله : لا يحج بالصبي إلا وليه أو وصيه ومن له النظر في ماله ; لأن ذلك يتعلق بإنفاق المال فكان أمره لمن له الولاية في ماله وذلك الأب ووصيه وولي الحاكم ولو كان في كفالة أحد بغير إيصاء فهل له ذلك ؟ يختلف فيه ، وقد قال مالك في الصبية من الأعراب تأخذهم السنة فيضمها الإنسان ويربيها ويريد تزويجها من أنظر لها منه ، فعلى هذا إذا كان الصبي تحت جناح أبيه وخاله وعمه وأخيه وشبه ذلك يجوز له أن يحج به وهو مذهب الكتاب انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) قوله : " يجوز له أن يحج به " يعني إذا خاف عليه الضيعة وأما إن لم يخف عليه الضيعة فلا يحج به إلا الأب كما تقدم ذلك في كلامه ، وأما الأم فقال في الطراز في شرح مسألة أخرى : إن كان الأب حيا فلا تسافر به إلا بإذنه وإن كان ميتا ولا وصي له فلها أن تسافر به إن خافت ضيعته بعدها ونص المسألة وشرحها ، وسئل مالك عن الوالدة أتكون بمنزلة الوالد ؟ قال : نعم هذا يختلف فيه وقد مر ذكره وظاهر الحديث جوازه للأم ; لقوله عليه السلام للمرأة ولك أجر ، ولم يقل ولوليه ولا شرطه في إحرام الصبي وبه احتج مالك فإن الذي رفع للنبي صلى الله عليه وسلم من المحفة إنما رفعته امرأة ، فقالت : ألهذا حج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ولك أجر . ولم تذكر أن معه والده قال : فإذا أحرمت أمه عنه في هذا الحديث وجاز الإحرام فأرى كل من كان الصبي في حجره يجوز له ما جاز للأم ، ووجه ذلك من حيث المعنى هو أن الولد في كفالة أمه فأشبه ما لو كان في حجر وصايتها ولأن للأم أخذ النفقة من الأب وتصرفها في حق الولد ، وتنظر في بعض شأنه فكان نظرها عليه في ذلك جائزا كنظرها في غيره بما يصلح شأنه إلا أن الأم لا تسافر به إلا بإذن الأب فإن كان ميتا ولا وصي له فلها أن تسافر به إن خافت ضيعته بعدها انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) ظاهر كلامه أنها إن لم تخف عليه الضيعة لا تسافر به وينبغي أن يكون لها أن تسافر به ، وإن لم تخف عليه الضيعة إذا لم يكن له وصي لما لها عليه من الشفقة كالأب بل هي أعظم وأما لو كان له وصي فلا تسافر به إلا بإذنه فينظر الولي للصبي ما هو الأصلح له وزيادة النفقة في ذلك كله على من يسافر به ، إذا لم يخف عليه الضيعة كما تقدم في كلام سند .

                                                                                                                            ( قلت ) وهذا كله والله أعلم إذا كان السفر بعيدا مما تسقط به الحضانة وأما إن كان قريبا فيجوز للأم أن تخرج به معها من غير إذن الأب والوصي كما سيأتي في باب الحضانة ولم أره منصوصا هنا ، والله أعلم ، وأما حكم إحرامه فتقدم الكلام عليه في التنبيه الثاني في شرح قوله : فيحرم ولي عن رضيع .

                                                                                                                            ( الثاني ) تقدم في لفظ المدونة أن من خرج بالصبي يضمن له ما أكرى له ولم يفصل في ذلك وقال في الطراز : كراء الدابة على من سافر به إلا قدر كراء بيته في مدة سفره إن كان مسكنه بالكراء انتهى .

                                                                                                                            وهو ظاهر وقال بعده : ولو كان كراء الصبي ونفقته في السفر قدر نفقته في الإقامة ضمن الولي الكراء أدخلته في السفر بدون أجرة الكراء وعدم حاجته إليه ، انتهى وفيه نظر والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) قال في الطراز : ولا ضمان على الولي فيما طرأ في السفر من صنع الله على نفس الصبي من غير تفريط مثل أن يغرق أو يموت أو يقتل إذ لا صنع [ ص: 486 ] للآدمي في ذلك ، انتهى .

                                                                                                                            ذكر هذا فيما إذا سافر به ولم يخف عليه الضيعة والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية