وقال بعضهم : يبطل العقد - فمن المحال أن يكون ما يبطل العقد هو الذي يثبته . التفرق بالأبدان في الصرف قبل القبض
قال : وهذا كلام في غاية الفساد ، ولا ننكر هذا إذا جاء به النص فقد وجدنا النقد وترك ، الأجل يفسد السلم عندهم ، ويصحح البيوع التي يقع فيها الربا حتى لا تصح إلا به . علي
فكيف والمعنى فيما راموا الفرق بينه واحد ؟ وهو أن المتصارفين لم يملكا شيئا ولا تبايعا أصلا قبل التقابض ، وكل متبايعين فلم يتم بينهما بيع أصلا قبل التفرق أو التخيير - متصارفين كانا أو غير متصارفين - فإن تفرق كل من ذكرنا بأبدانهم قبل ما يتم به البيع ، فمن كان قد عقد عقدا أبيح له تم له بالتفرق ، ومن كان لم يعقد عقدا أبيح له فليس ههنا شيء يتم له بالتفرق .
وقالوا أيضا : متعقبين لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم رادين عليه : المتبايعان إنما يكونان متبايعين ما داما في حال العقد لا بعد ذلك ، كالمتضاربين والمتقاتلين فمن المحال أن يكونا متبايعين متفاسخين معا ؟ قال : وهذا كلام من لا عقل له ، ولا علم ، ولا دين ، ولا حياء ; لأنه سفسطة باردة ، ونعم ، فإن المتبايعين لا يكونان متبايعين إلا في حين تعاقدهما لكن [ ص: 246 ] عقدهما بذلك ليس بشيء ولا يتم إلا بالتفرق أو التخيير بعد العقد ، كما أمر من لا يحرم دم أحد إلا باتباعه ، أو بجزية يغرمها - إن كان كتابيا - وهو صاغر . أبو محمد
ومن طريف نوادرهم احتجاجهم في معارضة هذا الخبر بحديث عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عمرو بن شعيب } . قالوا : فالاستقالة لا تكون إلا بعد تمام البيع وصحة انتقال الملك . البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله
قال : قبل كل شيء فهذا حديث لا يصح ولسنا ممن يحتج لنفسه بما لا يصح ، وقد أعاذنا الله تعالى من ذلك ، ولو صح لكان موافقا لقولنا ، إلا في المنع من المفارقة خوف الاستقالة فقط فلسنا نقول به ; لأن الخبر المذكور لا يصح ، ولو صح لقلنا بما فيه من تحريم المفارقة على هذه النية ، وليست الاستقالة المذكورة في هذا الخبر ما ظن هؤلاء الجهال ، وإنما هي فسخ النادم منهما للبيع - رضي الآخر أم كره - لأن علي العرب تقول استقلت من علتي ، واستقلت ما فات عني : إذا استدركه . والبرهان على صحة قولنا هذا وعلى فساد تأويلهم وكذبه هو أن المفارقة بالأبدان لا تمنع من الاستقالة التي حملوا الخبر عليها ، بل هي ممكنة أبدا ، ولو بعد عشرات أعوام ، فكان الخبر على هذا لا معنى له ولا حقيقة ، ولا فائدة . فصح أنها الاستقالة التي تمنع منها المفارقة بلا شك ، وهي ، المانع من فسخه ولا بد ، ولا يمكن غير هذا ، ولا يحتمل لفظ الخبر معنى سواه ألبتة . فصار هذا الخبر ثقلا عليهم على ثقل ، لأنهم صححوه وخالفوا ما فيه ، وأباحوا له مفارقته - خشي أن يستقيله أو لم يخش . قال التفرق بالأبدان الموجب للبيع : هذا كل ما موهوا به وكله عائد عليهم ومبدي تخاذل علمهم وقلة فهمهم ونحن - إن شاء الله تعالى - نذكر ما هو أقوى شبهة لهم ، ونبين حسم التعلق به لمن عسى أن يفعل ذلك - وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 247 ] روينا من طريق علي قال : وقال البخاري الحميدي عن نا سفيان بن عيينة عمرو { رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على بكر صعب ابن عمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره لعمر ويرده ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده فقال النبي صلى الله عليه وسلم عمر : بعنيه ؟ قال : هو لك يا رسول الله ، قال : بعنيه ؟ فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لك يا لعمر تصنع به ما شئت عبد الله بن عمر } قالوا فهذا بيع صحيح لا تفرق فيه وهبة لما ابتاع عليه السلام قبل التفرق بلا شك . عن
قال : هذا خبر لا حجة لهم فيه لوجوه - : أولها - أنه وإن لم يكن فيه تفرق فيه التخيير بعد العقد ، وليس السكوت عنه بمانع من كونه ; لأن صحة البيع تقتضيه ولا بد - ولم يذكر في هذا الخبر ثمن أيضا ، فينبغي لهم أن يجيزوا البيع بغير ذكر ثمن أصلا ; لأنه لم يذكر فيه ثمن . أبو محمد
فإن قالوا : لا بد من الثمن بلا شك ; لأن البيع لا يصح إلا به ؟ قلنا : ولا بد من التفرق أو التخيير ; لأن البيع لا يكون بيعا ، ولا يصح أصلا إلا بأحدهما ، ولا فرق بينهم في احتجاجهم بهذا الخبر في إسقاط حكم ما لم يذكر فيه من التخيير بعد العقد ، وبين من احتج به في البيع بالمحرمات ; لأنه لم يذكر فيه ثمن أصلا ، وهذه هبة لما ابتيع قبل القبض بخلاف رأي الحنفيين فهو حجة عليهم ، وكذلك القول في الإشهاد سواء سواء .
والوجه الثاني - أنه حتى لو صح لهم أنه لم يكن في هذا البيع تخيير ولا إشهاد أصلا وهو لا يصح أبدا - فمن لهم أن هذه القصة كانت بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } ؟ وبعد أمر الله تعالى بالإشهاد ، ومن ادعى علم ذلك فهو كذاب أفك يتبوأ - إن شاء الله تعالى - مقعده من النار لكذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم . كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر
فإن كان هذا الخبر قبل ذلك كله ؟ فنحن نقول : إن البيع حينئذ كان يتم بالعقد وإن لم يتفرقا ولا خير أحدهما الآخر ، وإن الإشهاد لم يكن لازما وإنما وجب كل ما ذكرنا [ ص: 248 ] حين الأمر به لا قبل ذلك ، وأما نحن فنقطع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالف أمر ربه تعالى ، ولا يفعل ما نهى عنه أمته ، هذا ما لا شك فيه عندنا ، ومن شك في هذا أو أجاز كونه فهو كافر ، نتقرب إلى الله تعالى بالبراءة منه .
وكذلك نقطع بأنه عليه السلام لو نسخ ما أمرنا به لبينه حتى لا يشك عالم بسنته في أنه قد نسخ ما نسخ وأثبت ما أثبت .
ولو جاز غير هذا - وأعوذ بالله - لكان دين الإسلام فاسدا لا يدري أحد ما يحرم عليه مما يحل له مما أوجب ربه تعالى عليه حاش لله من هذا ، إن هذا لهو الضلال المبين الذي يكذبه الله تعالى إذ يقول : { تبيانا لكل شيء } و { لتبين للناس ما نزل إليهم } .
وقد تبين الرشد من الغي ، والدين كله رشد وخلاف كل شيء منه غي ، فلو لم يتبين كل ذلك لكان الله تعالى كذبا ، والرسول عليه السلام لم يبين ، ولم يبلغ والدين ذاهبا فاسدا - وهذا هو الكفر المحض ممن أجاز كونه .
والوجه الثالث - أنهم يقولون : إن الراوي من الصحابة أعلم بما روى هو راوي هذا الخبر ، وهو الذي كان لا يرى البيع يتم إلا بالتفرق بالأبدان ، فهو على أصلهم أعلم بما روي . وابن عمر
وسقط على أصلهم هذا تعلقهم بهذا الخبر جملة - والحمد لله رب العالمين .
وقال بعضهم : { } ، ومن الغرر أن يكون لهما خيار لا يدريان متى ينقطع . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر
قال : وهذا كلام فاسد من وجوه - : أحدها - أن العقد قبل التفرق بالأبدان ، أو التخيير : ليس بيعا أصلا لا بيع غرر ولا بيع سلامة ، كما قال عليه السلام : { أبو محمد } فهو غير داخل في بيع الغرر المنهي عنه . إنه لا بيع بينهما ما كانا معا
والوجه الثاني - أنه ليس كما قالوا : من أن لهما خيارا لا يدريان متى ينقطع ، بل أيهما شاء قطعه قطعه في الوقت ، بأن يخير صاحبه فإما يمضيه فيتم البيع وينقطع الخيار ، وإما يفسخه فيبطل حكم العقد وتماديه ، أو بأن يقوم فيفارق صاحبه كما كان يفعل [ ص: 249 ] فظهر برد هذا الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرأي السخيف ، والعقل الهجين . ابن عمر
والوجه الثالث - أنه لا يكون غررا شيء أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يأمر بما نهى عنه معا حاش له من ذلك ، وإنما الغرر ما أجازه هؤلاء بآرائهم الفاسدة من بيعهم اللبن الذي لم يخلق في ضروع الغنم شهرا أو شهرين .
وبيع الجزر المغيب في الأرض الذي لم يره إنسي ولا عرف صفته ، ولا أهو جزر أم هو معفون مسوس لا خير فيه ؟ وبيع أحد ثوبين لا يدري أيهما هو المشترى .
والمقاثي التي لم تخلق ، والغائب الذي لم يوصف ولا عرف - فهذا هو الغرر المحرم المفسوخ الباطل حقا .
فإن ذكروا ما رويناه من طريق عن ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم أيوب بن عتبة اليمامي عن أبي كثير السحيمي عن عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } . البيعان بالخيار ما لم يتفرقا من بيعهما أو يكون بيعهما بخيار
قال : وهذا عجب جدا ; لأنه عليهم لو صح ، والتفرق من البيع لا يكون إلا بأحد أمرين لا ثالث لهما : إما بتفرق الأبدان فيتم البيع حينئذ ويتفرقان منه حينئذ ، لا قبل ذلك ، وإما أن يتفرقا منه بفسخه وإبطاله - : لا يمكن غير هذا ؟ فكيف أبو محمد ضعيف لا نرضى الاحتجاج بروايته أصلا وإن كانت لنا . وأيوب بن عتبة
وأتى بعضهم بطامة تدل على رقة دينه وضعف عقله ، فقال : معنى ما لم يفترقا : إنما أراد ما لم يتفقا ، كما يقال للقوم : على ماذا افترقتم ؟ أي على ماذا اتفقتم - فأراد على ماذا افترقتما عن كلامكما .
قال : وهذا باطل من وجوه - : أولها : أن هذه دعوى كاذبة بلا دليل ، ومن لكم بصرف هذا اللفظ إلى هذا التأويل ؟ وما كان هكذا فهو باطل . أبو محمد
والثاني : أن يقول : هذا هو السفسطة بعينه ، ورد الكلام إلى ضده أبدا ، ولا يصح مع هذا حقيقة ، ولا يعجز أحد عن أن يقول كذلك في كل ما جاء عن القرآن ، والسنن . [ ص: 250 ] وهذه سبيل الروافض ، إذ يقولون : إن الجبت والطاغوت إنما هما إنسانان بعينهما ، وأن تذبحوا بقرة إنما هي فلانة بعينها .
والثالث : أن نقول لهم : فكيف ، ولو جاز هذا التأويل لكان ما رواه عن الليث عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عمر } مكذبا لهذا التأويل الكاذب المدعى بلا دليل ، ومبينا أن التفرق الذي به يصح البيع لا يكون ألبتة على رغم أنوفهم ، إلا بعد التبايع ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كما ظن أهل الجهل من أنه في حال التبايع ومع آخر كلامهما . إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا ، أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع ، فقد وجب البيع
قال : وهذا مما خالفوا فيه طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف ، وهم يعظمون هذا - وهذا مما خالفوا فيه جمهور العلماء إلا رواية عن أبو محمد ، ثم جاء بعضهم بعجب وهو أنهم زادوا في الكذب ، فأتوا برواية رويناها من طريق إبراهيم : أن عطاء قال : البيع صفقة أو خيار - وروي أيضا من طريق عمر الشعبي أن - وعن عمر أن الحجاج بن أرطاة قال : إنما البيع عن صفقة أو خيار ، والمسلم عند شرطه . ومن طريق عمر عن الحجاج بن أرطاة محمد بن خالد بن الزبير عن شيخ من بني كنانة أن قال : البيع عن صفقة أو خيار ، ولكل مسلم شرطه . عمر
قال : من عجائب الدنيا ، ومن البرهان على البراءة من الحياء : الاحتجاج بهذه الروايات في معارضة السنن ، وكلها عليهم لوجوه - : أولها - أنه ليس شيء منها يصح ; لأنها مرسلات ، أو من طريق أبو محمد - عن شيخ من الحجاج بن أرطاة - وهو مالك بني كنانة وما أدراك ما شيخ من بني كنانة ؟ ليت شعري أبهذا يحتجون إذا وقفوا في عرصة القضاء يوم القيامة ؟ عياذك اللهم من التلاعب بالدين .
ثم لو صحت لما كان لهم فيها متعلق ، لأنه ليس في شيء منها إبطال ما حكم به الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من أنه { } . [ ص: 251 ] وكلام لا بيع إلا بعد التفرق أو التخيير هذا لو سمعناه من عمر لما كان خلافا لقولنا ; لأن الصفقة ما صح من البيع بالتفرق ، والخيار ما صح من البيع بالتخيير ، كما قال عليه السلام ، وحكم أن { عمر } فكيف ، وقد صح عن لا بيع بين البيعين إلا بأن يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر مثل قولنا نصا ؟ كما روينا من طريق عمر نا مسلم نا قتيبة ليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن قال : أقبلت أقول : من يصطرف الدراهم ؟ فقال مالك بن أوس بن الحدثان وهو عند طلحة بن عبيد الله أرنا ذهبك ؟ ثم جئنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك ؟ فقال له عمر بن الخطاب : كلا والله لتعطينه ورقه أو لتردن إليه درهمه . عمر
فهذا يبيح له رد الذهب بعد تمام العقد وترك الصفقة . عمر
فإن قيل : لم يكن تم البيع بينهما ؟ قلنا : هذا خطأ ; لأن هذا خبر رويناه من طريق عن مالك ابن شهاب عن أنه أخبره أنه التمس ، صرفا بمائة دينار ؟ قال : فدعاني مالك بن أوس بن الحدثان النصري فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ ذهبه فقلبها في يده ثم قال : حتى يأتيني خازني من الغابة طلحة بن عبيد الله يسمع ؟ فقال وعمر : والله لا تفارقه حتى تأخذه . عمر
فهذا بيان أن الصرف قد كان قد انعقد بينهما - فصح أن وبحضرته عمر وسائر الصحابة يرون فسخ البيع قبل التفرق بالأبدان . طلحة
ثم لو صح عن ما ادعوه ما كان في قوله حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عليه ، وكم قصة خالفوا فيها عمر ومعه السنة أو ليس معه ؟ أول ذلك هذا الخبر نفسه ، فإنهم رووا عن عمر كما ترى " والمسلم عند شرطه " وهم يبطلون شروطا كثيرة جدا . عمر
ونسوا خلافهم في قوله : الماء لا ينجسه شيء . لعمر
وأخذه الصدقة من الرقيق من كل رأس عشرة دراهم أو دينارا .
وإيجابه . [ ص: 252 ] وتركه في الخرص في النخل ما يأكل أهله - والمسح على العمامة ، وأزيد من مائة قضية - فصار ههنا الظن الكاذب في الرواية الكاذبة عن الزكاة في ناض اليتيم : حجة في رد السنن . عمر
فكيف وقد روينا هذه الرواية نفسها من طريق عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة خالد بن محمد بن خالد بن الزبير أن قال : إنه ليس بيع إلا عن صفقة وتخاير - هكذا بواو العطف - وهذا مخالف لقولهم ، وموافق لقولنا ، وموجب أن عمر بن الخطاب لم ير البيع إلا ما جمع العقد ، والتخيير سوى العقد ، وقد ذكرناه عن عمر أيضا قبل من طريق صحيحة ، فظهر فساد تعلقهم من كل جهة . عمر
وذكر بعضهم قول الثابت عنه : ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع - : رويناه من طريق ابن عمر عن ابن وهب عن يونس بن يزيد الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه .
قال : وهذا من عجائبهم ; لأنهم أول مخالف لهذا الخبر - : فالحنفيون يقولون : بل هو من البائع ما لم يره المبتاع أو يسلمه إليه البائع - والمالكيون يقولون : بل إن كان غائبا غيبة بعيدة فهو من البائع . أبو محمد
فمن أعجب ممن يحتج بخبر هو عليه لا له ، ويجاهر هذه المجاهرة ؟ وما في كلام هذا شيء يخالف ما صح عنه من أن البيع لا يصح إلا بالتفرق بالأبدان . ابن عمر
فقوله : ما أدركت الصفقة ، إنما أراد البيع التام بلا شك .
ومن قوله المشهور عنه : إنه لا بيع يتم ألبتة إلا بالتفرق بالأبدان ، أو بالتخيير بعد العقد .
قال : فظهر عظيم فحشهم في هذه المسألة ، وعظيم تناقضهم فيها ، وهم يقولون : إن المرسل كالمسند ، وبعضهم يقول : بل أقوى منه ، ويحتجون به إذا وافقهم . وقد روينا من طريق علي عن عبد الرزاق عن معمر عن أبيه { ابن طاوس } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الخيار بعد البيع
قال : وقد ذكرنا عن أبو محمد أن التخيير ليس إلا بعد البيع ، وهم يقولون : الراوي أعلم بما روى . [ ص: 253 ] ومن طريق طاوس نا أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع قاسم الجعفي عن أبيه عن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ميمون بن مهران } . البيع عن تراض والتخيير بعد الصفقة ، ولا يحل لمسلم أن يغبن مسلما
فهذان مرسلان من أحسن المراسيل ، مبطلان لقولهم الخبيث المعارض للسنن ، فأين هم عنه ؟ لكنهم يقولون ما لا يفعلون كبر مقتا عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون - نعوذ بالله من مقته قال : وقد ذكرنا أن بعض أهل الجهل والسخف قال : هذا خبر جاء بألفاظ شتى فهو مضطرب . علي
قال : وقد كذب بل ألفاظه كلها ثابتة منقولة نقل التواتر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس شيء منها مختلفا أصلا ، لكنها ألفاظ يبين بعضها بعضا ، كما أمر عليه السلام ببيان وحي ربه تعالى . علي