المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) (آل عمران:102) ؛
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) (النساء:1) ؛
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) (الأحزاب:70-71) .
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة حتى فتح الله به قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما، وعلى آله وصحبه الذين تولوا أمانة البلاغ من بعده. [ ص: 21 ]
وبعد:
تعد قيم السلوك مع الله من أهم القضايا السـلوكية والفكرية العقديـة التي خاض فيها كثير من أصحاب التصوف البدعي
[1] ، فانحرفوا بها عن المنهج الصحيح الذي جاء به الإسلام.
ويعد الإمام ابن قيم الجوزيـة، رحمه الله، من رواد المدرسـة السلفية في دراسـة هذه القضية ومعالجتها وإيضاح حدودها وتحديد معالمها وفق منهج الإسلام.
ويهدف هذا البحث إلى استجلاء موقف ابن القيم، رحمه الله، من هذه القضية، من خلال التتبع الدقيق لما أورده من مسائل كثيرة تتعلق بهذه القضية في كتبه المتعددة، أمثال: مدارج السالكين، وطريق الهجرتين، والفوائد، وروضة المحبين، وعدة الصابرين، والوابل الصيب، وإغاثة اللهفان، والرسالة التبوكية، وذلك إسهاما مني: [ ص: 22 ] 1- في إيضاح معالم الطريق الصحيح، الذي ينبغي أن يسلكه المسلم في سلوكه مع الله تعالى وكيفية عبادته له سبحانه.
2- وفي التحذير من المزالق الفكرية والسلوكية، التي انحدر إليها كثير ممن جهلوا منهج الإسلام الصحيح وتأثروا بأصحاب الأفكار والمناهج المنحرفة، قياما بحق الأمانة في العلم وواجب النصيحة في الدين.
- الدراسات السابقة
كتب عن الشيخ ابن القيم، رحمه الله، العديد من الباحثين والدارسين في كتب ورسائل جامعية، وجل هذه الدراسات إما أن تتجه إلى الحديث عن سيرته الذاتية ومؤلفاته وجوانب شخصيته، أمثال: كتاب «ابن قيم الجوزية» لمحمد مسلم الغنيمي، وكتاب «ابن قيم الجوزية، حياته آثاره، موارده» للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، رحمه الله؛
وإما أن تتجـه إلى الحـديث عن موقفه من الفرق وقضايا العقيدة عامة، أمثال: رسالة «موقف ابن القيم من بعض الفرق» لعواد بن عبد الله المقنف، ورسـالة «ابن القيم وجهوده في الدفـاع عن عقيدة السلف» لعبد الله محمد جار النبي، ورسالة «منهج ابن القيم في تقرير التوحيد» لآمال بنت عبد العزيز العمرو؛
وإما أن تتجه إلى الحديث عن جهوده في خدمة السنة النبوية، أمثال: رسـالة «ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية» لجمال محمد [ ص: 23 ] عبد الحميد، وكتاب «الإمـام ابن القيم وجهـوده في الحديث» لحسين محمد السيد؛
وإما أن تتحدث عنه في مجال التفسير، أمثال: كتاب «منهج ابن القيم في التفسير» للشيخ محمد السنباطي، ورسالة «ابن القيم وآثاره في التفسير» لقاسم ابن أحمد القثردي؛
وإما أن تتحدث عنه في مجال الفقه، أمثال: رسالة «الحدود والتعزيرات عند ابن القيم» للشيخ بكر أبو زيد، ورسالة «اختيارات ابن القيم الفقهية في المسائل الخلافية في العبادات» لعبد العزيز الغامدي؛
وإما أن تتحدث عنه في مجال أصول الفقه، أمثال: رسالة «ابن قيم الجوزية ومواقفه الأصولية» لإبراهيم الكندي؛
وإما أن تتحدث عنه في مجال الدعوة والحسبة، أمثال: رسالة «منهج ابن القيم في الدعوة إلى الله» لأحمد الخلف، ورسالة «الحسبة عند ابن القيم» لمحمد عوض قرين؛
وإما تتحدث عنه في المجال التربوي، أمثال: كتاب «الفكر التربوي عند ابن القيم» للدكتور حسن الحجاجي؛
وأما أن تتحـدث عنه في مجال النحو واللغة، أمثال: كتاب «الإمام ابن قيم الجوزية وآراؤه النحوية» لأيمن عبد الرزاق الشوا. [ ص: 24 ] ولم أجد من بين هؤلاء الباحثين من أفرد دراسة خاصة عن قيم السلوك مع الله عند ابن القيم، رغم أهمية هذه الدراسة، وتميزه، رحمه الله، في هذا الجانب عن غيره من علماء الأمة.
- حدود البحث
ينحصر البحث في دراسة المسائل التالية:
1- حياة ابن القيم من حيث بيان: عصره، واسمه، ونسبه، ومولده، وتحصيله العلمي، وعقيدته ومذهبه، وأخلاقه وعبادته، وأعماله، ومحنته، ووفاته.
2- مفهوم قيم السلوك مع الله عند ابن القيم.
3- قيم السلوك أو منازل السير إلى الله تعالى عند ابن القيم.
4- ضوابط قيم السلوك مع الله عند ابن القيم.
5- مصادر قيم السلوك مع الله عند ابن القيم.
- خطة البحث
تتكون خطة البحث من: مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة.
أما المقدمة: فتشتمل على ما يلي:
1- أهمية موضوع البحث وأهدافه.
2- الدراسات السابقة.
3- حدود البحث. [ ص: 25 ] 4- خطة البحث.
5- منهج البحث.
وأما التمهيد: فهو ترجمة موجزة للإمام ابن قيم الجوزية.
ويشتمل على أمرين:
الأول: عصر ابن قيم الجوزية.
الثاني: حياته.
وأما الفصـل الأول: فهـو في قيم السـلوك مع الله عند ابن القيم.
ويتكون من توطئة وثلاثة عشر مبحثا:
التوطئة: في مفهوم قيم السلوك مع الله عند ابن القيم.
المبحث الأول: التوبة.
المبحث الثاني: الإنابة.
المبحث الثالث: الخوف.
المبحث الرابع: الزهد.
المبحث الخامس: الرجاء.
المبحث السادس: المراقبة.
المبحث السابع: الإخلاص.
المبحث الثامن: الاستقامة.
المبحث التاسع: التوكل. [ ص: 26 ] المبحث العاشر: الصبر.
المبحث الحادي عشر: الصدق.
المبحث الثاني عشر: الذكر.
المبحث الثالث عشر: المحبة.
وأما الفصـل الثـاني: فهو في ضـوابط قيم السـلوك مع الله عند ابن القيم.
ويتكون من سبعة مباحث:
المبحث الأول: الإيمان بالله تعالى.
المبحث الثاني: العبودية الخالصة لله تعالى.
المبحث الثالث: الالتـزام بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما.
المبحث الرابع: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به.
المبحث الخامس: تعلم العلم الشرعي.
المبحث السادس: الالتـزام بأداء التكاليف الشرعية.
المبحث السابع: اجتناب الذنوب والمعاصي.
وأما الفصل الثالث: فهو في مصادر قيم السلوك مع الله عند ابن القيم.
ويتكون من ستة مباحث:
المبحث الأول: القرآن الكريم.
المبحث الثاني: السنة النبوية. [ ص: 27 ] المبحث الثالث: الصحابة، رضوان الله عليهم.
المبحث الرابع: الزهاد والمتصوفة الأوائل.
المبحث الخامس: الشيخ أبو إسماعيل الهروي.
المبحث السادس: شيخ الإسلام ابن تيمية.
وأما الخاتمة: ففيها رصد لأبرز نتائج البحث العلمية.
- منهج البحث:
تقتضي طبيعة هذه الدراسة الجمع بين المنهج الاستنباطي والمنهج التحليلي الوصفي، وذلك بالتتبع الدقيق والبحث والتنقيب عن آراء ابن القيم المتفرقة في كتبه ورسائله الكثيرة والمتعددة، وذلك في المسائل والموضوعات محل الدراسة، ثم الاجتهاد في دراستها وتحليلها وتصنيفها وردها إلى العناصر المكونة لها لاستخلاص النتائج العلمية منها.
مع عنايتي بما يلي:
1- ترقيم الآيات القرآنية وبيان سورها.
2- تخريج الأحاديث النبوية وبيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها إذا لم تكن في الصحيحين أو أحدهما، فإن كانت كذلك اكتفيت حينئذ بتخريجهما.
3- الترجمة للأعلام الواردة أسماؤهم في البحث ممن لهـم علاقة وثيقة بموضوعه، عدا المشهورين منهم، ككبار الصحابة والأئمة الأربعة. [ ص: 28 ] 4- ذكر البيانات الكاملة لكل مصدر أو مرجع في الحاشية عند أول وروده في البحث، من حيث بيان: عنوان الكتاب، واسم مؤلفه، واسم محققه إن كان محققا، وعدد الطبعة، وتاريخها، واسم الناشر، ومكان النشر.
5- تزويد البحث بفهرس للمصادر والمراجع، وفهرس للموضوعات.
6- أما بالنسبـة للنقـول والإحالات في الحـواشي فهي على النحو التالي:
أ- إذا تصرفت في النص المنقول تصرفا يسيرا أوردته بين قوسي تنصيص وأشرت في الحاشية إلى أن النقل كان بتصرف يسير، وإذا تصرفت فيه تصرفا كثيرا ذكرت في الحاشية كلمة (انظر) ، أما إذا لم أتصرف فيه مطلقا بأن كان نقلا حرفيا أوردته بين قوسي تنصيص واكتفيت بالإشارة إلى المصدر أو المرجع دون كلمة (انظر) .
ب- إذا اقتبست من المصدر أو المرجع فكرة ما، أو استفدت منه معلومة، أو أحلت إلى مرجع فأكثر توسع في بحث المسألة التي كنت أتحدث عنها، ذكرت في الحاشية كلمة (راجع) .
ج- إذا كررت النقل من المصدر أو المرجع دون أن يفصل بين النقلين نقل من مصـدر أو مرجع آخر، ذكرت في الحاشية عبارة (المصدر السابق) . [ ص: 29 ] د- إذا وضعت بين الكلمات في النص المنقول حرفيا هذه النقاط الثلاث (...) ، سواء في المتن أو الحاشية، فإن ذلك يعني أن هناك كلاما محذوفا تم الاستغناء عنه طلبا للاختصار، أو لعدم الفائدة من ذكره.
هـ- إذا احتاج النص المنقول حرفيا إلى إضافة كلمة؛ زيادة في الإيضاح، أو إزالة لإشكال في المعنى، وضعت هذه الكلمة بين هاتين الحاصرتين [ ].
وبعد:
فهذا جهد بشري، فما كان فيه من حق وصواب فمن الله وحده، وله الحمد والثناء على توفيقه، وما كان فيه من خطأ وزلل وتقصير فمني ومن الشيطان، واستغفر الله وأتوب إليه من ذلك.
وأسأل الله أن يلهمني الرشد والصواب، وأن يرزقني إخلاص النية وصلاح العمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. [ ص: 30 ]