( 4545 ) فصل : فذلك نوعان ; أحدهما ما لا يبقى بعلاج ولا غيره ، كالطبيخ ، والبطيخ ، والفاكهة التي لا تجفف ، والخضراوات . فهو مخير بين أكله ، وبيعه وحفظ ثمنه ، ولا يجوز إبقاؤه ; لأنه يتلف . فإن تركه حتى تلف ، فهو من ضمانه ; لأنه فرط في حفظه ، فلزمه ضمانه ، كالوديعة . فإن أكله ثبتت القيمة في ذمته ، على ما ذكرناه في لقطة الغنم . وإن باعه وحفظ ثمنه ، جاز وإذا التقط ما لا يبقى عاما ،
وهذا ظاهر مذهب . وله أن يتولى بيعه بنفسه . وعن الشافعي ، أن له بيع اليسير ، وإن كان كثيرا دفعه إلى السلطان . وقال أصحاب أحمد : ليس له بيعه إلا بإذن الحاكم ، فإن عجز عنه ، جاز البيع بنفسه ; لأنه حال ضرورة ، فأما مع القدرة على استئذانه ، فلا يجوز من غير إذنه ; لأنه مال معصوم ، لا ولاية عليه ، فلم يجز لغير الحاكم بيعه ، كغير اللقطة . ولنا أنه مال أبيح للملتقط أكله ، فأبيح له بيعه ، كماله ، ولأنه مال أبيح له بيعه عند العجز عن الحاكم ، فجاز عند القدرة عليه ، كماله الشافعي
إذا ثبت هذا ، فإنه متى أراد أكله أو بيعه ، حفظ صفاته ، ثم عرفه عاما ، فإذا جاء صاحبه ، فإن كان قد باعه وحفظ ثمنه ، دفعه إليه ، وإن كان قد أكله أو أكل ثمنه ، غرمه له بقيمته يوم أكله . وإن تلف الثمن بغير تفريط قبل تملكه ، أو نقص أو تلفت العين ، أو نقصت من غير تفريطه ، فلا ضمان على الملتقط . وإن تلفت أو نقصت أو نقص الثمن لتفريطه ، فعلى الملتقط ضمانه ، وكذلك إن تلف الثمن بعد تملكه ، أو نقص ، ضمنه .
النوع الثاني ما يمكن إبقاؤه بالعلاج ، كالعنب والرطب ، فينظر ما فيه الحظ لصاحبه .
فإن كان في التجفيف جففه ، ولم يكن له إلا ذلك ; لأنه مال غيره ، فلزمه ما فيه الحظ لصاحبه ، كولي اليتيم ، وإن احتاج في التجفيف إلى غرامة ، باع بعضه في ذلك . وإن كان الحظ في بيعه ، باعه ، وحفظ ثمنه ، كالطعام والرطب ، فإن تعذر بيعه ، ولم [ ص: 31 ] يمكن تجفيفه ، تعين أكله ، كالبطيخ . وإن كان أكله أنفع لصاحبه . فله أكله أيضا ; لأن الحظ فيه . ويقتضي قول أصحابنا : إن العروض لا تملك بالتعريف
أن هذا كله لا يجوز له أكله ، لكن يخير بين الصدقة به وبين بيعه . وقد قال في من يجد في منزله طعاما لا يعرفه : يعرفه ما لم يخش فساده ، فإن خشي فساده ، تصدق به ، فإن جاء صاحبه غرمه . وكذلك قال أحمد . وأصحاب الرأي ، في لقطة ما لا يبقى سنة : يتصدق به . وقال مالك : يبيعه ، ويتصدق بثمنه . ولنا على جواز أكله قول النبي صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم : { الثوري } خذها ، فإنما هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب
وهذا تجويز للأكل ، فإذا جاز فيما هو محفوظ بنفسه ، ففيما يفسد ببقائه أولى .