قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فأما ، مثل أن يكون لكل واحد منهما نصاب من الغنم مضى عليه بعض الحول ، ثم خلطاه نظرت فإن كان حولهما متفقا بأن ملك كل واحد منهما نصابه في المحرم ، ثم خلطاه في صفر ففيه قولان : ( قال في القديم ) : يبنى حول الخلطة على حول الانفراد [ ص: 413 ] فإذا حال الحول على ماليهما لزمهما شاة واحدة ; لأن الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، بدليل أنه لو كان معه مائة وإحدى وعشرون شاة ، ثم تلفت واحدة منها قبل الحول بيوم لم تجب إلا شاة ، ولو كانت مائة وعشرون ، ثم ولدت واحدة قبل الحول بيوم وجبت شاتان ، وقد وجدت الخلطة ههنا في آخر الحول فوجبت زكاة الخلطة . وقال في الجديد : لا يبنى على حول الانفراد ، فيجب على كل واحد منهما شاة ; لأنه قد انفرد كل واحد منهما في بعض الحول فكان زكاتها زكاة الانفراد كما لو كانت الخلطة قبل الحول بيوم أو بيومين ، وهذا يخالف ما ذكروه ، فإن هناك لو وجدت زيادة شاة أو هلاك شاة قبل الحول بيوم أو يومين تغيرت الزكاة ، ولو وجدت الخلطة قبل الحول بيوم أو يومين ، لم يزكيا زكاة الخلطة . إذا ثبت لكل واحد من الخليطين حكم الانفراد بالحول
وأما في السنة الثانية وما بعدها ، فإنهما يزكيان زكاة الخلطة ، وإن كان حولهما مختلفا بأن ملك أحدهما في أول المحرم والآخر في أول صفر ، ثم خلطا في أول [ شهر ] ربيع الأول ، فإنه يجب في قوله القديم على كل واحد منهما عند تمام حوله نصف شاة ، وعلى قوله الجديد يجب على كل واحد منهما شاة ، وأما في السنة الثانية وما بعدها ، فإنه يجب عليهما زكاة الخلطة . وقال أبو العباس : يزكيان أبدا زكاة الانفراد ; لأنهما مختلفان في الحول ، فزكيا زكاة الانفراد كالسنة الأولى ، والأول هو المذهب ; لأنهما ارتفقا بالخلطة في حول كامل ، فصار كما لو اتفق حولهما ، وإن ثبت لمال أحدهما حكم الانفراد دون الآخر ، وذلك مثل أن يشتري أحدهما في أول المحرم أربعين شاة واشتري آخر أربعين شاة وخلطها بغنمه ، ثم باعها في أول صفر من رجل آخر ، فإن الثاني ملك الأربعين مختلطة فلم يثبت لها حكم الانفراد ، والأول قد ثبت لغنمه حكم الانفراد ، فإن قلنا بقوله القديم ، وجب على المالك في أول المحرم نصف شاة وإن قلنا بقوله الجديد وجب عليه شاة . وفي المشتري في صفر وجهان :
( أحدهما ) : تجب عليه شاة ; لأن المالك في المحرم لم يرتفق بالخلطة ، فلا يرتفق المالك في صفر ( والثاني ) : تجب عليه نصف شاة ; لأن غنمه لم تنفك عن الخلطة في جميع السنة بخلاف المشترى في المحرم ، وإن ملك رجل أربعين شاة ومضى عليها نصف الحول ، ثم باع نصفها مشاعا ، فإذا تم حول البائع وجب عليه نصف شاة على المنصوص ، وقال أبو علي بن خيران : المسألة على قولين إن قلنا بقوله الجديد : إن حول الخلطة لا يبنى على حول الانفراد انقطع حول البائع فيما لم يبع ، وإن قلنا بقوله القديم : إن حول الخلطة يبنى على حول الانفراد لم ينقطع حوله وهذا خطأ ; لأن الانتقال من الانفراد إلى الخلطة لا يقطع الحول ، وإنما القولان : في نقصان الزكاة وزيادتها دون قطع الحول ، وأما المبتاع فإنا إن قلنا : إن الزكاة تتعلق بالذمة وجب على المبتاع الزكاة وإن قلنا : إنها تجب في العين لم يجب [ ص: 414 ] عليه زكاة ; لأنه بحول الحول زال ملكه عن قدر الزكاة فينقص النصاب .
وقال : فيه قول آخر : أن الزكاة تجب فيه . ووجهه أنه إذا أخرجها من غيرها تبينا أن الزكاة لم تتعلق بالعين ، ولهذا قال في أحد القولين : إنه إذا باع ما وجبت فيه الزكاة وأخرج الزكاة من غيره صح البيع ، والصحيح هو الأول ; لأن الملك قد زال ، وإنما يعود الإخراج من غيره ، وأما إذا باع عشرين منها بعينها نظرت فإن أفردها وسلمها انقطع الحول فإن سلمها وهي مختلطة بما لم يبع بأن ساق الجميع حتى حصل في قبض المشتري لم ينقطع الحول وحكمه حكم ما لو باع نصفها مشاعا ومن أصحابنا من قال ينقطع الحول ; لأنه لما أفردها بالبيع صار كما لو أفردها عن الذي لم يبع . والأول هو الصحيح ; لأنه لم يزل الاختلاط فلم يزل حكمه . أبو إسحاق
فإن كان بين رجلين أربعون شاة لكل واحد منهما عشرون ولأحدهما أربعون منفردة وتم الحول ففيه أربعة أوجه ( أحدها ) : وهو المنصوص أنه تجب شاة ربعها على صاحب العشرين والباقي على صاحب الستين ; لأن مال الرجل الواحد يضم بعضه إلى بعض بحكم الملك فيضم الأربعون المنفردة إلى العشرين المختلطة ، فإذا انضمت إلى العشرين المختلطة انضمت أيضا إلى العشرين التي لخليطه ، فيصير الجميع كأنهما في مكان واحد ، فوجب فيه ما ذكرناه .
( والثاني ) : أنه يجب على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة ; لأن الأربعين المنفردة تضم إلى العشرين بحكم الملك ، فتصير ستينا فيصير مخالطا بجميعها لصاحب العشرين فيجب عليه ثلاثة أرباع شاة وصاحب العشرين مخالط بالعشرين [ التي له العشرين التي ] لصاحبه فوجب عليه نصف شاة ، فأما الأربعون المنفردة فلا خلطة له بها فلم يرتفق بها في زكاته .
( والثالث ) : أنه يجب على صاحب الستين شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة ; لأن صاحب العشرين مخالط بعشرين ، فلزمه نصف شاة ، وصاحب الستين له مال منفرد ومال مختلط وزكاة المنفرد أقوى فغلب حكمها .
( والرابع ) : أنه يجب على صاحب الستين شاة إلا نصف سدس شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة ; لأن لصاحب الستين أربعين منفردة ، فتزكى زكاة الانفراد ، فكأنه منفرد بستين شاة فيجب عليه فيها شاة يخص الأربعين منها ثلثا شاة ، وله عشرون مختلطة ، فتزكى زكاة الخلطة ، فكان جميع الثمانين مختلطة ، فيخص العشرين منها ربع شاة فتجب عليه شاة إلا نصف سدس شاة ، ثلثا شاة في الأربعين المنفردة ، وربع شاة في العشرين المختلطة وأقل عدد يخرج منه ربع وثلثان اثنا عشر ، الثلثان منها ثمانية والربع منها ثلاثة ، فذلك أحد عشر سهما ، فيجب عليه أحد عشر سهما من اثني عشر سهما من شاة ، ويجب على صاحب العشرين نصف شاة ; لأن الخلطة تثبت في حقه في الأربعين الحاضرة . [ ص: 415 ] فرع ) : وإن كان لرجل ستون شاة ، فخالط بكل عشرين رجلا له عشرون شاة ، ففيه ثلاثة أوجه على منصوص رحمه الله في المسألة قبلها يجعل بضم الغنم بعضها إلى بعض ، وهل كان جميعها مختلطة ؟ فيجب فيها شاة ، على صاحب الستين نصفها وعلى الشركاء نصفها على كل واحد سدس شاة . ومن قال في المسألة قبلها : إن على صاحب الستين شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة يجب ههنا على صاحب الستين شاة ; لأن غنمه يضم بعضها إلى بعض ويجعل كأنها منفردة فتجب فيها شاة ، ويجب على كل واحد من الثلاثة نصف شاة ; لأن الخلطة في حق كل واحد منهم ثابتة في العشرين التي له وفي العشرين التي لخليطه . ومن قال في المسألة قبلها : إنه يجب على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة ، وعلى صاحب العشرين نصف شاة يجب ههنا على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلى كل واحد من الشركاء نصف شاة ; لأنه لا يمكن ضم الأملاك الثلاثة بعضها إلى بعض ; لأنها متميزة في شروط الخلطة . الشافعي
( وأما ) : الستون فإنه يضم بعضها إلى بعض بحكم الملك ، ولا يمكن ضم كل عشرين منها إلى واحد من الثلاثة فيقال لصاحب الستين : قد انضم غنمك بعضها إلى بعض ، فضم الستين إلى غنم من شئت منهم ، فتصير ثمانين فتجب فيها شاة ، ثلاثة أرباعها على صاحب الستين ، وعلى كل واحد من الثلاثة نصف شاة ; لأن الخلطة ثابتة في حق كل واحد منهم في الأربعين ) .