أما قوله تعالى : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) فالخمر واحدها خمار ، وهي المقانع . قال المفسرون : إن ، وإن جيوبهن كانت من قدام فكان ينكشف نحورهن وقلائدهن ، فأمرن أن يضربن مقانعهن على الجيوب ليتغطى بذلك أعناقهن ونحورهن وما يحيط به من شعر وزينة من الحلي في الأذن والنحر وموضع العقدة منها ، وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء ، والباء للإلصاق ، وعن نساء الجاهلية كن يشددن خمرهن من خلفهن رضي الله عنها " ما رأيت خيرا من نساء عائشة الأنصار ، لما نزلت هذه الآية قامت كل واحدة [ ص: 180 ] منهن إلى مرطها فصدعت منه صدعة فاختمرت فأصبحن على رءوسهن الغربان " وقرئ ( جيوبهن ) بكسر الجيم لأجل الياء وكذلك ( بيوتا غير بيوتكم ) .
فأما قوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) فاعلم أنه سبحانه لما تكلم في مطلق الزينة تكلم بعد ذلك في الزينة الخفية التي نهاهن عن إبدائها للأجانب ، وبين أن هذه ، ثم استثنى اثنتي عشرة صورة أحدها : أزواجهن . الزينة الخفية يجب إخفاؤها عن الكل
وثانيها : آباؤهن وإن علون من جهة الذكران والإناث كآباء الآباء وآباء الأمهات . وثالثها : آباء أزواجهن . ورابعها وخامسها : أبناؤهن وأبناء بعولتهن ، ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن سفلوا من الذكران والإناث كبني البنين وبني البنات وسادسها : إخوانهن سواء كانوا من الأب أو من الأم أو منهما وسابعها : بنو إخوانهن وثامنها : بنو أخواتهن وهؤلاء كلهم محارم ، وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : ؟ الجواب : إذا ملك المرأة وهي من محارمه فله أن ينظر منها إلى بطنها وظهرها لا على وجه الشهوة ، بل لأمر يرجع إلى مزية الملك على اختلاف بين الناس في ذلك . أفيحل لذوي المحرم في المملوكة والكافرة ما لا يحل له في المؤمنة
السؤال الثاني : كيف القول في ؟ الجواب : القول الظاهر أنهما كسائر المحارم في جواز النظر وهو قول العم والخال ، قال لأن الآية لم يذكر فيها الرضاع وهو كالنسب وقال في سورة الأحزاب ( الحسن البصري لا جناح عليهن في آبائهن ) [ الأحزاب : 55 ] الآية . ولم يذكر فيها البعولة ولا أبناؤهم وقد ذكروا هاهنا ، وقد يذكر البعض لينبه على الجملة .
قال : إنما لم يذكرهما الله لئلا يصفهما العم عند ابنه والخال كذلك ، ومعناه أن سائر القرابات تشارك الأب والابن في المحرمية إلا العم والخال وأبناءهما ، فإذا رآها الأب فربما وصفها لابنه وليس بمحرم فيقرب تصوره لها بالوصف من نظره إليها ، وهذا أيضا من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهم في التستر . الشعبي
السؤال الثالث : ما ؟ الجواب : لأنهم مخصوصون بالحاجة إلى مداخلتهن ومخالطتهن ولقلة توقع الفتنة بجهاتهن ، ولما في الطباع من النفرة عن مجالسة الغرائب ، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار وللنزول والركوب وتاسعها : قوله تعالى : ( السبب في إباحة نظر هؤلاء إلى زينة المرأة أو نسائهن ) وفيه قولان : أحدهما : المراد والنساء اللاتي هن على دينهن ، وهذا قول أكثر السلف . قال رضي الله عنهما : ابن عباس إلا أن تكون أمة لها لقوله تعالى : ( ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلا ما تبدي للأجانب أو ما ملكت أيمانهن ) وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يمنع نساء أهل الكتاب من دخول الحمام مع المؤمنات وثانيهما : المراد بنسائهن جميع النساء ، وهذا هو المذهب وقول السلف محمول على الاستحباب والأولى .
وعاشرها : قوله تعالى : ( أو ما ملكت أيمانهن ) وظاهر الكلام يشمل العبيد والإماء ، واختلفوا فمنهم من أجرى الآية على ظاهرها ، وزعم أنه لا بأس عليهن في أن ، وهو مروي عن يظهرن لعبيدهن من زينتهن ما يظهرن لذوي محارمهن عائشة رضي الله عنهما ، واحتجوا بهذه الآية وهو ظاهر . وبما روى وأم سلمة أنس : " فاطمة بعبد قد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بها ، قال : إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك " وعن أنه عليه الصلاة والسلام أتى : كان أمهات المؤمنين لا يحتجبن عن مكاتبهن ما بقي عليه درهم . وعن [ ص: 181 ] مجاهد رضي الله عنها : أنها قالت عائشة لذكوان : " إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت فأنت حر . وروي أن رضي الله عنها : كانت تمتشط والعبد ينظر إليها ، وقال عائشة ابن مسعود ومجاهد والحسن وابن سيرين رضي الله عنهم : إن وسعيد بن المسيب ، وهو قول العبد لا ينظر إلى شعر مولاته رحمه الله ، واحتجوا عليه بأمور : أبي حنيفة
أحدها : قوله عليه الصلاة والسلام : " " والعبد ليس بذي محرم منها فلا يجوز أن يسافر بها ، وإذا لم يجز له السفر بها لم يجز له النظر إلى شعرها كالحر الأجنبي . لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاث إلا مع ذي محرم
وثانيها : أن إذ ملك النساء للرجال ليس كملك الرجال للنساء ، فإنهم لم يختلفوا في أنها لا تستبيح بملك العبد منه شيئا من التمتع كما يملكه الرجل من الأمة . ملكها للعبد لا يحلل ما يحرم عليه قبل الملك
وثالثها : أن العبد وإن لم يجز له أن يتزوج بمولاته إلا أن ذلك التحريم عارض كمن عنده أربع نسوة فإنه لا يجوز له التزوج بغيرهن فلما لم تكن هذه الحرمة مؤبدة كان العبد بمنزلة سائر الأجانب . إذا ثبت هذا ظهر أن المراد من قوله : ( أو ما ملكت أيمانهن ) الإماء ، فإن قيل الإماء دخلن في قوله : ( نسائهن ) فأي فائدة في الإعادة ؟ قلنا الظاهر أنه عنى بنسائهن وما ملكت أيمانهن من في صحبتهن من الحرائر والإماء .
وبيانه أنه سبحانه ذكر أولا أحوال الرجال بقوله : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ) إلى آخر ما ذكر فجاز أن يظن ظان أن الرجال مخصوصون بذلك إذ كانوا ذوي المحارم أو غير ذات المحارم ، ثم عطف على ذلك الإماء بقوله : ( أو ما ملكت أيمانهن ) لئلا يظن أن الإباحة مقصورة على الحرائر من النساء إذ كان ظاهر قوله : ( أو نسائهن ) يقتضي الحرائر دون الإماء كقوله : ( شهيدين من رجالكم ) [ البقرة : 282 ] على الأحرار لإضافتهم إلينا كذلك قوله : ( أو نسائهن ) على الحرائر ، ثم عطف عليهن الإماء فأباح لهن مثل ما أباح في الحرائر .